إلى وقت قريب، كانت فلسطين، لعدد كبير من المثقفين العرب، موضوع إنشاء نافلاً، يليق بما لا يشبههم، وينبغي ألّا يلوّث نصوصهم بماء اللغة الخشبية، وكأن اللغة العبرية هي الملاذ، أو الجسر نحو اللغات الأخرى، وذلك بعد جفاف الضمير الحيّ في شرايينهم، والهرولة نحو «العدو؟» بوصفه بوصلة لعبور الحدود نحو العالمية. الآن، في هذه اللحظة المباغتة، اكتشفوا فلسطين، فلملموا ما تيسّر من زاد «المقاومة» التحاقاً بالركب، وبنوع من الإحراج «المؤقت»، على أمل قطف بعض الثمار اليانعة. هكذا أعادوا القدس إلى الخريطة، واكتشفوا حصار غزّة، ونظام الفصل العنصري، وتاريخ البلاد المنكوبة، وهمجية العدو، وأهمية عبارة من طراز «عابرون في كلام عابر» و«أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله»، و«لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟»، و«التغريبة الفلسطينية». على الأرجح، فإن هذا الزلزال نوع من ربيع فلسطيني بمشتل لم تعبث به أصابع الآخرين، ولا يحتاج إلى شعراء ربابة وقوّالين عابرين. ما حدث هو «هجاء القتيل لقاتله»، ودرس مؤجل منذ 70 عاماً، من دون سبورة وطباشير. درس في الهواء الطلق!