قبل عقد كامل تم اكتشاف الموقع على مرفأ برنيس على ساحل البحر الأحمر، ولم يتمكّن العلماء حينها من معرفة وظيفته التي ظلّت مجهولة حتى وقت قريب. أخيراً، كشفت Science Magazine أن الموقع يعود إلى مدافن ضخم للحيوانات الأليفة لدى المصريين القدامى. الاكتشاف الذي توصّلت إليه بعثة الآثار البولونية بعد سنوات دراسة مقبرة الحيوانات الأليفة في المدينة القديمة التي تعود إلى ألفي عام، أظهر أن المصريين القدامى كانوا يتمتّعون بروابط وعلاقات قويّة مع حيواناتهم الأليفة مثل القطط والكلاب والقردة. إذ تحوي المقبرة رفاة حوالي 600 حيوان أليف أكثرها من القطط، بالإضافة إلى بعض الكلاب والقردة، وضعت معظمها داخل توابيت من الفخّار، أو لُفّت بالأقمشة، فيما ظلّت الأطواق الحديدية والاكسسوارات تلفّ رقاب معظمها، ما يؤكّد على الأهميّة التي كانت تحتلّها هذه الحيوانات في حياة أصحابها. وقد أفضى البحث مبدئياً إلى أن الموقع هو أقدم مقبرة معروفة للحيوانات الأليفة، ما يشير إلى أن المفهوم الحديث للحيوانات الأليفة ليس أمراً مستجدّاً، بل يملك جذوراً في العصور القديمة. هكذا تأتي هذه الاكتشافات التفصيلية بعد سنوات من الدراسة والتنقيب منذ أن اكتشفت البعثة البولندية المقبرة خارج أسوار مدينة برنيس، تحت مكب نفايات روماني، سنة 2011. خلال هذه المدةّ، قام الفريق بأعمال التنقيبات في المقبرة التي تعود إلى القرنين الأوّل والثاني بعد الميلاد، في وقت كانت يعدّ مرفأ برنيس أكثر الموانئ الرومانية ازدحاماً، ومعبراً أساسياً لتجارة العاج والأقمشة والسلع الفاخرة مع الهند والجزيرة العربية وأوروبا.
أعمال التنقيب اشتملت أيضاً على تحليل عظام وبقايا 585 حيواناً أليفاً، بمساعدة أطباء بيطريين، لتحديد حالاتها الصحية وأسباب وفاتها. وفيما لم يقع الفريق على أي دليل عن ممارسات التحنيط والتضحية وغيرها من الطقوس، إلا أنه تمكن من معرفة أن عدداً من القطط ماتت بسبب كسور، وإصابات من قبل ركلات الأحصنة. في المقابل، فإن الكلاب كانت قد ماتت بمعظمها بسبب الشيخوخة، بفضل بعض الأدلّة مثل أمراض المفاصل، وكسور في الأسنان، وهذا ما يؤكّد على مدى تعلّق المصرييين بها، لأنها كانت تتطلّب بسبب ذلك أساليب رعاية دقيقة في الطعام والاهتمام، ما يشير بدوره إلى الراحة الاقتصادية الذي كانت تعيشه المدينة وأبناؤها حينها.