«لا أستطيع التوقّف عن الكتابة... أشعر دائماً وكأنّني أختنق وأريد التعبير». بهذه الكلمات، يمكن اختصار علاقة ماهر يمّين بالشعر. الشاب الزغرتاوي الذي لا يتجاوز عمره الرابعة والعشرين، حصل في كانون الأوّل (ديسمبر) 2020 على جائزة عصام العبد الله للشعر المحكي في عامها الثاني مناصفةً مع بشير علي الجواد. وقبل أيام، أبصرت أغنية «من كلّ شي» التي كتبها لنور عبيد النور، وهي من ألحان جيمي منّاع وتوزيع موريس عبد الله.«عندما تلقيت خبر فوزي بجائزة عصام العبد الله شعرتُ بفرحة كبيرة، ممزوجة بإحساس عارم بالمسؤولية»، يقول يمّين الموجود حالياً في إهدن (شمال لبنان) في اتصال مع «الأخبار». ويوضح أنّه أدرك في تلك اللحظة أنّ «الأمور أخذت منحى جدّياً، لا سيّما أنّ الجائزة تحمل اسم شاعر بأهمية وإرث عصام العبد الله»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّه «أيقنت أنّني بدأت سلوك الدرب الصحيح، الأمر الذي أعطاني دفعاً كبيراً وشكّل اعترافاً بي كشاعر، خصوصاً أنّه تم اختياري من قِبل لجنة تحكيم تضمّ شعراء مهمّين: المير طارق آل ناصر الدين، قزحيا ساسين، محمد حمود، فادي ناصر الدين وإبراهيم شحرور». قد نفترض أنّ حبّ ماهر للشعر نابع من كونه نجل الشاعر الراحل جورج يمّين (1955 ــ 2000)، إلا أنّ الشاب الذي فقد والده حين كان على مشارف عامه الرابع يلفت إلى أنّه اكتشف شغفه بهذا المجال في سنواته الأولى في «الجامعة الأميركية في بيروت» حيث درس الاقتصاد قبل أن يحوز شهادة ماجستير في الفلسفة من «الجامعة اللبنانية». «منذ صغري كنت أعرف أنّ أبي يكتب ويلقي الشعر لكنّني لم أكن أعرف شيئاً عن هذا العالم... كانت تنتابني أحاسيس مغايرة عن الآخرين غير أنّني لم أكن أعلم أنّها شعر. لطالما كان لدي ما أقوله وأعبّر عنه... عرفت لاحقاً أنّني بحاجة للتعبير عن هذه الأفكار، قبل أن أجد نفسي أنظم الشعر تلقائياً»، يقول. وفيما يتوقّع أنّ ما سيضيفه قد يبدو مفاجئاً، يشير إلى أنّه يعرف والده من محبّة الناس له ولقصائده: «أنا لم أقرأ إلا قصائده الشهيرة. قد يكون السبب أنّني في لاوعيي كنت أريد أن أشبه نفسي وأنتظر نضوج تجربتي قبل التعمّق بأعماله». بصراحة وعفوية شديدتَين، يعود يمّين ليؤكّد أنّه تعلّم من أبيه أنّ الكلمة هي السلاح: «لطالما شعرت بأنّني أجد القوّة في التعبير... الكلمة قادرة على هزّ العالم». يرى ماهر يمّين أنّ الشاعر يولد شاعراً، وتحجز الطفولة مكاناً في داخله، فيبحر في مشاعره ويترجمها بصور وأسلوب معيّن ناقلاً تجربته، لكنّ «نضوج الأحاسيس والأفكار يتطلّب وقتاً ومحاولات وبحث وتعرّف إلى الذات... خضت في حياتي تجارب أنضجتني باكراً، وكنت بحاجة للكتابة عنها».
يرفض كاتب أغنية «تركني إحكي» لريمي بندلي المقارنة أو المفاضلة بين الشعر المحكي والفصيح، فـ «لكلّ منهما مكانته وجماليته. القصيدة الفصيحة مهمّة وتشكّل أساساً وركيزة للانطلاق، فيما المحكية برأيي أقرب إلى كلّ الناس وتساعدني على الوصول إلى كلّ شرائح المجتمع. وإذا لم يصل شعري إلى الناس، فهو بلا معنى». هنا، يلفت يمّين إلى أنّه لا يكتب المحكي إذا لم يكن سهلاً ممتنعاً، لأنّ «تعقيد الأمور ينمّ عن نقص في الموهبة». كثيرون هم شعراء المحكية الذين يحبّ ماهر قراءة قصائدهم، من بينهم عصام العبد الله، طلال حيدر، جوزيف حرب، ميشال طراد، قزحيا ساسين وإبراهيم شحرور. أما على صعيد الفصحى، فتعجبه أعمال محمود درويش، أنسي الحاج، محمد الماغوط وآخرين.
وفي الوقت الذي يقول فيه إنّ خوض غمار كتابة الأغنيات يصبّ في خانة الوصول إلى الناس والاقتراب منهم، يشدّد يمّين على أنّ «للأغنية أصولها. فهي تقف عند الحدّ الفاصل بين البساطة والسخافة. عليّ أن أكون حريصاً على إيصال الفكرة بعمقها وجعلها قريبة من قلب الجمهور في الوقت نفسه، من دون الوقوع في الكليشيهات. هذا توازن صعب، وليست لدى كلّ شعراء المحكية القدرة على كتابة الأغنية».
لناحية تقديم ما هو مختلف عن السائد في زمن سيطرة الأغنية الاستهلاكية، يعتبر الشاعر الذي يرى كثيرون أنّه ميّال إلى الحزن، أنّه بمجرّد تعبير الشخص المتصالح مع نفسه عن تجاربه، ينجز أعمالاً مختلفة: «إذا كنت لا أشعر بالأمر، لا أكتب عنه».
حين يُسأل ماهر يمّين عن كيفية توفيقه بين اختصاصَيْه وولعه بالشعر، يجيب من دون تفكير أنّه من الطبيعي أن يكون الاقتصاد والفلسفة جزءاً أساسياً من تجربته الإبداعية: «هي بعض الأسلحة التي أعبّر بواسطتها». ويعرب كذلك عن أسفه كون الشعر في بلادنا «ما بطعمي خبز»، لأنّه يفضّل التفرّغ للكتابة. ثم يختم حديثه معنا بالقول: «كلّ مشاكل مجتمعنا من الطائفية والذكورية والعنصرية وغيرها، ستبقى قائمة طالما أنّنا نعتبر أنّ الفن والإبداع والثقافة من الكماليات».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا