قد تكون الرواية أفضل أنواع الفنون لمعالجة موضوع الأحلام، خصوصاً المفتوحة منها على صناعة التفسير والخيال العلميّ. تختلط بينهما معالجة واقعها التفسيريّ الغيبيّ منذ ابن سيرين أوّلاً إلى واقعها العلميّ البحثيّ الجديد ثانياً، الذي يجري بواسطة مختبرات العلوم التي تدرس النوم كظاهرة طبيعيّة، تحتلّ عمليّاً حوالي ثلث عمر الانسان الزمنيّ. يتداخل جزؤها الطبّي هذا بالنفسيّ – العاطفيّ، وبالفيزيائيّ –الكونيّ، ليخلق مناخاً لطالما دخلت عبرها صناعة الأفلام من بوابة الخيّال العلميّ. «قصّة حلم» (دار الساقي) رواية وقعت بين يديّ بالصدفة، وكنت وقتها في بداية زمن الحجر الصحيّ العالميّ، وفي غرفة الانتظار عند طبيب العائلة، فتحت الكتاب لأتصفّحه، ولم أقدر على تركه إلّا مضطرّاً. عندما عدت إلى البيت، حاولت أن أقسّم وقت فراغي، الذي ما زال يطبع فترة الحجر المنزليّ، بين هذه الرواية وبين مسلسل the man in the high castle، الذي كنت قد بدأت مشاهدته قبل بداية قراءة الرواية بأيّام. قد تكون الصدفة هي ما جمعتني بالرواية والمسلسل معاً، علماً إن الرواية قد تحوّلت إلى مسلسل على إحدى القنوات العربيّة أيضاً. في الرواية، يتوسّل الكاتب هاني نقشبندي تقنية الراوي على لسان العالِم الفيزيائيّ المقتدر والموهوب اسماعيل عمران الذي يسرد لنا حياته بأحداثها التي تمرّ عبر تسلسل لعقدة دراميّة عائليّة صعبة. يقوم الراوي بأبحاث علميّة ومخبريّة لصالح جامعة ألمانيّة، تسعى لشراء قدراته ومواهبه العلميّة لتحقيق سبق علميّ يدخل في صناعة الأحلام، بهدف الربح بمنطق المال ورأسمال لا يأخذ العوامل الإنسانيّة في الاعتبار، بعكس عقليّة هذا العالِم الذي يسعى في بحثه للنقيض. يحيا الباحث حياة عائليّة خاصة مشتّتة (تناقض بين العام والخاص) وهو ينتمي لأب عَمِلَ في تفسير أحلام الناس. ورغم أني لن أُفسِد على القارئ متعة متابعة أحداث الرواية التي تجري بالتوازي على عُقد دراميّة تتصاعد بين السعوديّة وألمانيا ومصر وتركيا، ولكنّي أحبّ أن أشير إلى أنّه خلال الأحداث التي ربطت بعض مفاصل الرواية، التي يبرد فيها السرد أحياناً بفعل التناقض الذي يشعر به القارئ بين صراع أجواء المناخين العلميّ والغيبيّ وهما يتناوبان عليها والذي يميل أكثر لصالح الثانية، بحكم كوننا كشعوب شرقيّة أصحاب وعي يحتفظ في جذوره بحيّز أكبر من غيرنا لظاهرة تفسير الأحلام، فإنّي كنت أترك الرواية قليلاً لأعود للمسلسل الأجنبي الذي أنتجه ريدلي سكوت‎ عن قصة الكاتب الأميركي فيليب ديك. ‎والمسلسل حصل على «جائزة إيمي للسينماتوغرافيا».المهمّ أنني كنت كلّما عدت إلى هذا المسلسل الأجنبيّ الطويل والمشغول على ٤ فصول، بمجموع يصل إلى ٤٠ حلقة بثّته خدمة برايم prime، بدت لي رواية نقشبندي أكثر صلابة لناحية موضوع الخيال العلميّ من المسلسل، رغم محليّة موضوع همومها وعالميّة موضوع المسلسل الأجنبي، الذي يعالج موضوع كلّ ما يجري في العالم من أحداث خلال الحرب العالميّة الثانية، التي ستغيّر مصير سكان الكوكب كلّه، وكيف سيعتمد هذا المصير والأحداث الخطيرة عندنا على مصير العوالم الأخرى الموجودة في أكوان بعيدة موازية لكوننا بأحداثه. سنرى كيف حقّق الجيش الألماني النازي إمكانية علميّة لاختراق نفق زمانيّ، يذهب عبره بعض أفراده الذين يتحكّمون بمصير عالمنا هنا إلى الأكوان الأخرى! يبدو أنّ النازيّة في تلك العوالم الأخرى، هي التي انتصرت على الحلفاء عكس ما جرى على أرضنا كنوع من التوازن الكوني في تداخل الأحداث. الخيال العلميّ في الرواية أقلّ حدِّة من المسلسل حيث يتمحور في الرواية حول فكرة اختراق الأحلام كخطوة أولى تهدف إلى إيجاد طريقة علميّة لتصنيعها في مختبر بطل الرواية البروفسور إسماعيل عمران.
الصورة النثريّة والأدبيّة للرواية مدروسة في خدمة الصورة السينمائيّة أيضاً وليس الأدبيّة، أكان هذا في الحوارات أو في وصف الأمكنة ورصف الأحداث. إيقاع السرد مدروس أيضاً لصالح الصورة المتحرّكة التي على أساسها تتحرّك الشخصيّات الروائيّة سينمائيّاً. وهذا ما يفسّر سبب تحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيونيّ عربيّ. لم يخرج أحد من الشخصيّات خارج تأثير هذه الصورة، حتّى الّذين كان دورهم يتحوّل بين الواقع والأحلام! عالم التشويق في الرواية متوتر بتصاعديّة الحدث، يخفّ ويقوى مع سرعة أو بطء حركة البطل، وهو يسرد رحلته المشوّقة عبر جيلين عملا في عالم الأحلام. الرواية حتّى في زمن صدورها، أي سنة ٢٠٢٠، أفادت من تزامنها مع آفة كورونا، التي ضربت الانسانيّة بارتداداتها على الوعي المعرفيّ والغيبيّ، وتزامنت مع عالم المسلسل الأجنبيّ بعنصر التشويق الذي ربما جاء ليذكّر قارئ هذه الرواية ومشاهد المسلسل الأجنبيّ في آن، بالمثل اللبنانيّ القائل: ليس «كلّ شي فرنجي برنجي».