بعدما طيّرت سنتات محمد شقير الستة دورته السابقة، يعاود «مهرجان بيروت للأفلام الفنية» (BAFF) نشاطه هذه السنة في دورته السادسة التي يستضيفها «مسرح مونو» (الأشرفية). الحدث السينمائي المتخصّص في الوثائقيات وتحديداً تلك التي تُعنى بالفنون والأدب، ينطلق اليوم وعلى برنامجه 20 وثائقياً، في ما يلي استعراض للعناوين التي خصّ بها المهرجان الموسيقى. كان من الطبيعي أن يُحجز الافتتاح لذكرى بيتهوفن، المؤلف الألماني الذي تصادف هذه السنة ذكرى 250 ولادته. وعندما نقول بيتهوفن، نقول أولاً وليس أخيراً سمفونيته التاسعة، التي تتخطى شهرتها ريبرتوار مؤلفها وعالم الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام، لتكون عنواناً جامعاً للبشر بمختلف اهتماماتهم الموسيقية وثقافاتهم وجنسياتهم. العمل المسمّى «نشيد الفرح» نسبةً لحركته الرابعة، التي أدرج فيها بيتهوفن (وهذه كانت سابقة في تاريخ الكتابة السمفونية) إنشاداً إفرادياً وجماعياً مبنياً على قصيدة للأديب الألماني شيلر، شكّل مادّة دسمة في مجال الوثائقيات الموسيقية، إذ تناولته أعمال عدة، من زوايا مختلفة، موسيقية وتاريخية. الوثائقي الذي تُستهَل به دورة «مهرجان بيروت للأفلام الفنية» يحمل عنوان «تاسعة بيتهوفن - سمفونية العالم» لكريستيان برغر (صاحب وثائقيات عن شخصيات موسيقية معاصرة مثل قائدة الأوركسترا ألوندرا ديلا بارا وكذلك المايسترو الرهيب تيودور كورنتسِس، الذي نراه أيضاً في الوائقي عن التاسعة). العمل غاية في الجمال والأهمية (عرضته قناة Arte منذ مدّة)، ويعالج مقاربات مختلفة للتاسعة، أنجِزَت حول العالم (صُوِّر في ثمانية بلدان من أربع قارات) في مناسبة ذكرى صاحبها، مثل التقليد الياباني السنوي القائم على أداء «نشيد الفرح» من جوقة تتألف من عشرة آلاف منشد أو مشروع «إسماع» التاسعة لفاقدي السمع أو المعالجة الحديثة للعمل من قِبَل الـDJ غبريال بروكوفييف (حفيد المؤلف الروسي الكبير) وغيرها. الافتتاح (الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم) تليه مباشرةً جرعة ثانية من تاسعة بيتهوفن، مع وثائقي بعنوان «على خطى التاسعة» (Following the Ninth) لكيري كندايل، وهو عمل غير جديد (2013) يقتفي أثر سمفونية بيتهوفن وتأثيرها واستخداماتها ومعانيها العميقة لدى الشعوب وفي أزمنة مختلفة، في مقاربة شبيهة إلى حدٍ ما بالوثائقي الفرنسي «التاسعة» (2004) لبيار-هنري سالفاتي.الوثائقي الثالث الذي يعالج موضوعاً موسيقياً محدداً هو «حيوات كلارا شومان الثلاث» (2019) لغونتر أتلن، الذي يلقي الضوء على أكبر وأشهر شخصية موسيقية نسائية في القرن التاسع عشر، كلارا شومان (مولودة فيك/Wieck). مسيرة كلارا الموسيقية، بين العزف على البيانو (من أمهر العازفات، حتى بمعايير اليوم) والتأليف (قيمتها متواضعة إلى حدٍّ ما)، وحياتها الشخصية، بين والدها القاسي الذي مانع زواجها بشدّة، وقصة حبّها مع أحد أكبر أدمغة الموسيقى في عصره، الألماني روبرت شومان، ثم زواجها منه وتأسيس عائلة وإنجاب ستة أطفال، ثم قصة عشق المؤلف الشهير يوهانّس برامز لها، وبوحه بذلك بعد رحيل الزوح المبكر. كل ذلك يشكّل مادة دسمة تمحور هذا الوثائقي حولها (يُعرض السبت الثالثة عصراً)، وهو تحية لكلارا في المئوية الثانية لولادتها.
من الأعمال التي تشكّل الموسيقى جزءاً منها، وثائقي «صوَر من الشرق» (2017 / يُعرض الجمعة الثالثة عصراً)، الذي يتمحور حول منحوتات الفنان السوري نزار علي بدر، الذي «ينحت» معاناة مواطنيه اللاجئين، في احتضان موسيقي من توقيع عازف الكمان الليتوني المخضرم غيدون كريمر (وهو وراء فكرة العمل) ومؤلفات الألمانيَّين شومان وشتوكهاوزن، في حين تولّى التحريك الفنان الجورجي ساندرو كانشيلّي. كذلك، يُعرض بعده مباشرةً (الساعة الرابعة) وثائقي Que l’amour (2019) للفرنسية ليتيسيا مايكلز، وفيه تتناول المخرجة قصة عشق مع أغاني جاك بريل، غيّرت حياة صاحبها (شاب من أصل جزائري).
الاثنين المقبل (الثالثة عصراً) يعرض «مهرجان بيروت للأفلام الفنية» قصة ألبوم موسيقي بعنوان Omega في وثائقي يحمل العنوان نفسه لخوسيه سانشيز-مونتس. العمل يعود إلى عام 2016 في الذكرى العشرين لصدور الألبوم الذي يجمع فيه نجم الفلامنكو أنريكه مورنته أغنيات وقصائد المغني والكاتب ليونارد كوهين والشاعر الكبير لوركا والروك والفلامنكو في مزيج تعاون فيه فرقة البانك-روك الإسبانية Lagartija Nick. يليه، عند السادسة والنصف وثائقي Once Were Brothers (2019) للكندي دانيال رووِر الذي غاص المخرج في مواد أرشيفية مهملة ومهمة لإنجازه (أشرطة فيديو، صور، تسجيلات…)، وهو يحكي قصة روبي روبرتسون أسطورة الروك الكندي ومؤسس The Band، الفرقة التي طبعت هذا النمط لأكثر من ثلاثة عقود قبل أن تنهي نشاطها عام 1999.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا