تعقيباً على رسالة مديرة «المتحف الفلسطيني» الدكتورة عادلة العايدي – هنية، وتوضيحات الأستاذ بشار شموط المنشورة في جريدتكم (الأخبار 25/11/2020) رداً على مقالتي (الأخبار 17/11/2020) تحت عنوان «بشار شموط يلملم شتات الذاكرة الفلسطينية» والمتعلق بكتاب شموط «الإرث الفلسطيني المرئي والمسموع – نشأته وتشتته والحفاظ الرقمي عليه» الصادر عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية -2020»، أودّ توضيح ما يلي:أولاً، كنت لأكتفي بما ورد في ردّ بشار شموط على تعقيب الدكتورة العايدي لأن فيه ما يؤكد ما قلته ولم أنسجه من مخيلتي كما ذكرت العايدي، سواء لجهة نقص مقتنيات المتحف نقلاً عن الكتاب، وقد ذكرت الصفحة التي تفيد بذلك (ص 28)، أو لجهة وجود صورة للرئيس محمود عباس كما هو مذكور في الكتاب، وتنفيه العايدي. وهنا لا بدّ أن أسجّل تهنئتي الشخصية – والكثير أمثالي – للدكتورة العايدي على جرأتها على نفي وجود صورة للرئيس، لأنها بذلك تسجّل سابقة في مناخات الاستبداد السلطوي العربي عامة، والسلطة الفلسطينية واحدة منها.
ثانياً، أدهشتني مُطوّلة المديرة حول المتحف ودوره وموجوداته ومواكبته التطور، كأنّ مقالتي تدور حول هذا الأمر، وهو غير صحيح، لأن مضمون الكتاب واضح الهدف والمعلومات ذات القيمة العالية والتي أشرت إليها ونوهت بما ورد في الكتاب، وأيضاً انتقدت تصويباً ومحبةً لما لاحظته من ثغرات نالني منها كلمة شكر من شموط، والذي أشكره بدوري لِسعة ذوقه على تقبُّل النقد.
ثالثاً، يبدو أن قراءة الدكتورة العايدي لمقالتي كانت متسرعة، وافتقدت النباهة، إذ أن ما ورد من فقرات منقولة عن صفحات الكتاب وضعتها بين مزدوجين وتعود للكاتب مع ترقيم للصفحة المنقول عنها، وهذا برأيي ــ ومن خلال مسيرتي المهنية الممتدة من عشية اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان عام 1982 ــ أعتبره من أبسط قواعد الأمانة المهنية يضاف إليها أخلاقي الشخصية، وبالتالي لا أعتقد أنني خلطت بين رأيي ورأي شموط، مع اعتزازي بأن يكون هذا الخلط في الرأي لجهة العداء المشترك لهذا العدو الغاصب لفلسطين، والجاثم على أرضها، ومنها مساحة المتحف الفلسطيني ضمناً.
رابعاً، يؤسفني أن تستفز جملة «التنسيق لمحو المحو» شعور المديرة، لأنني لم أقصد بها المتحف إطلاقاً، ولا من هو المسؤول عنه أيّاً كان – مع تقديري واحترامي – لأن ما قصدته بالتنسيق إنما هو التنسيق الأمني والسياسي بين السلطة والمحتل الإسرائيلي، وما ينتج عنها من خراب يومي لمصائر فلسطين والشعب الفلسطيني وخاصة الشرفاء منهم. والجملة المذكورة أتت مباشرة بعد الذي نقلته من فقرة أشار إليها شموط وتتعلق بتأثير اتفاق أوسلو في النتاج الثقافي الفلسطيني، وسأعيد نشر الفقرة كاملة من الصفحة 101 وفيها: «نشأ بعد عام 1993 عدد من الأعمال الفنية البعيدة في مضمونها عن الموضوع السياسي أو النضالي أو الوطني. وفي منطقة رام الله تحديداً، وجد الجيل الجديد من الفنانين الشباب الطريق أمامه مفتوحاً. فبدأ يعمل في مجال الفن والإعلام ضمن المعطيات التي كانت تنسجم مع رؤية الداعمين الدوليين وخصوصاً الغربيين منهم لمشروع أوسلو، وهكذا توافر المال لتلك المشاريع الإعلامية والفنية التي كانت في مضمونها بعيدة عن واقع الاحتلال» (ص101)... فهل ما ذكره شموط هنا وبجرأة الكاتب والوطني والغيور على مصير فلسطين ما لا يدلّ على خطورة تأثير الجوانب الفنية والثقافية لاتفاقية أوسلو على محو الذاكرة الفلسطينية الوطنية والمُستباحة من هذا العدو؟!، فضلاً عما قام به ويقوم من نهب ومحاولات طمس لهذه الذاكرة وهذا الإرث؟ وعليه، ندعو حضرة المديرة كي تدرك حجم المحو القائم على أيدي المنظمات التي تجيد الأعمال الفنية البعيدة عن مفهوم الاحتلال، وأن تستدرك مخاطره قبل أن يأتي التنسيق الأمني والسياسي القديم والمتجدّد بين السلطة والمحتل على محو محتويات المتحف.
خامساً، تذكر الدكتورة العايدي أن المتحف مؤسسة أهلية وغير حكومية، ولكن تعود لتقول عن «سعي المتحف لتوفير غطاء دبلوماسي لأي مجموعة سيقتنيها في ظل تعرّضها لتهديدات الاحتلال كما كل شيء في فلسطي» وسؤالي: من أين هذا الغطاء الديبلوماسي؟ وألا تخضع هذه المقتنيات لعملية فرز وضمّ ومراقبة من جانب المحتل!
سادساً، مع كل الاحترام لجهود الدكتورة العايدي في تعدادها لمقتنيات المتحف الفلسطيني، لكن، أرجو أن يكون من بينها لوائح أسماء الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو والشهداء على مرْ هذه النكبة، بما يشبه ما فرضته ثقافة الهولوكست.
أخيراً، أشكر لحضرة المديرة اهتمامها، ولا ضير أن نتعاون مستقبلاً بإقامة معرض من محتويات «المتحف الفلسطيني» الذي ترأسين مع «جمعية التراث الوطني الفلسطيني في لبنان» التي لي شرف رئاستها منذ عام 2007 ،وهو المعرض السنوي الذي نقيمه في ذكرى يوم الأرض في بيروت، ويشارك فيه ما يربو على أربعين جمعية أهلية تُعنى بالتراث الفلسطيني في مخيمات اللجوء في لبنان... لأن هدف وحلم كل إنسان شريف في هذا العالم أن تتحرر فلسطين من هذا العدو الاستيطاني والإحلالي، وأن يكون المتحف راية انتصارها، كي لا تصير فلسطين راية في متحف.

* صحافية لبنانية

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا