إنّ الافتراض الذي نؤسس عليه بديهي السؤال عن الفارق بين ما تقوم به عدسة الكاميرا من التقاط للمشاهد الصامتة أو المتحركة للطبيعة، وبين اللوحة التي تتشكل بعدسة البصيرة الرؤيويّة، تدعمه عمار بالإثبات المتيقن من ضرورة حضور التقنية اللونية ومهارة الريشة، إلا أنّ التفاصيل التي تلتقطها حواسّها لا يمكن لآلة التصوير الفوتوغرافي أن تلتقطها، وبذات السياق وعلى مستوى آخر للبعد الذي توظف فيه اللون لإنتاج الفكرة. تلك الفكرة التي تُلحّ عليها من بواطن الأنا المنبلجة من علائقية عضوية بالطبيعة توصف بها ذاتها المتماثلة للجمال بصورته الأغنى والأصدق لذيّاك التمرئي في عوالم الطبيعة، وتحيل سناء عمار غنى اللون لمدى تناغم ذبذبات الحس والشعور المتنامي حدساً مع روح الطبيعة، وبالمقابلة بين المفردة الشعرية والمفردة اللونية. فكما الدفق الشعوري وسيّالاته الانفعالية حوامل الانزياحات الإشارية والدلالية للّغة التعبيرية، هي كذلك لمفرداتها اللونية، فهي تلمح إلى ما هو أبعد من القيم اللونية بدرسها التشكيلي من حيث السامة أو النعومة، أو حتى تحولاتها القيميّة، فللمفردة اللونية قيمتها ذات الخصوصية للمدركات الحسية بروح الطبيعة وانبجاساتها بالمنطوق اللوني لسناء عمار، لا تنفصل عن مدى الوعي لدورة الحياة باحتمالات ما وصلنا إليه من استهلاك، فالفصول هي ذاتها في حياة الإنسان «بذرة تحت التراب.. ثم برعم.. ثم شجرة مثمرة زاهية بأوراقها.. ثم تتوهج.. ثم جفاف.. ثم يباس».
ولأنها دورة الحياة، فلا قيمة لونية خارج المدرك الحسي عند سناء عمار؛ الانطفاء والاتقاد جدلية لونية حسية هي المقابل لثنائية الموت والحياة، بالاحتمال الذي يعي أنّ إيقاع الطبيعة هو تلك السرمدية اللونية المبدعة..
سناء عمار رسولة الطبيعة إلى الإنسان.. ابنة ميس الجبل في جنوب لبنان، توقظ الحلم بزيت الوجع، فأنامل إبداعها خبرت بأنامل الطفولة ذياك التراب، فأذكى فيها مواسم القطاف التي تذخر ذاكرتها الوجدانية، فكان إصرارها على أن يفتتح المعرض المعنى الأسمى لرسالة الجمال الإنسانية فعل الحياة الآبد، في برلين في صالة «ناخبارشافتس هايم» Nachbarschaftsheim «بيت الجيرة»، تقف سناء عمار مندّاة بتراب الجنوب وصوت يصدح «بحبك يا لبنان» مع عزف منفرد على الكمان، يحضرها السؤال المتوهج في وجدانها: هل سيؤبّر غبار الطلع في لوحاتها وجدان الإنسانية وهي ترقب جمهورها من أنحاء العالم؟!
وللفنانة التشكيلية سناء عمار مشاركات لافتة في مجموعة من المعارض منها: الأونيسكو في بيروت، تاليا، بيال، عاليه، الربيع، متحف التمبلهوف للمعارض – برلين، معرض ملتقى ربيع الألوان الدولي في سلطنة عمان وآخر بعنوان "ملتقى ألوان أونلاين"، وقد افتتح معرضها الفردي الحالي الذي يستمر لغاية 24 أيلول 2020.
*شاعر وناقد أدبي