في وقت كان المشهد الثقافي والفني في بيروت يلتئم جرّاء الأزمة الاقتصادية، والإقفال الاضطراري بسبب كورونا، جاء الانفجار في بيروت ليقضي على أي أفق قريب. الخسارة لم تقتصر فقط على الأضرار المعنوية التي تكبّدها الشعب بأكمله، ولا على تبدّد المشاريع التي كانت هذه الصروح قد بدأت تعلن عنها في الأشهر المقبلة. طال الانفجار عدداً كبيراً من الفضاءات الثقافية خصوصاً في منطقة الجميزة ومار مخايل. في المرفأ، افتتحت غاليري «مرفأ» أبوابها قبل بضع سنوات. وفيما لم تكتب الغاليري على صفحتها أيّ تصريح حتى الآن، بات من المعلوم أنّ أضراراً جسيمة تكبّدها هذا الفضاء كما يظهر من مشاهد ركام الأبنية المحيطة بمنطقة مرفأ بيروت. مثلها «غاليري تانيت» التي تقع في مبنى «إيست فيليدج» الذي صمّمه المهندس الفرنسي جان مارك بونفيس في مار مخايل وقضى فيه أيضاً. علماً بأنّ الغاليري لم تتوقّف عن العمل طوال الفترة الماضية، وقد افتتحت أخيراً معرضاً للفنان اللبناني عبد القادري بعنوان «رفاة آخر وردة حمراء على وجه الأرض»، صارت بعض لوحاته مرئيّة من الشارع مع سقوط كل واجهات المكان. في امتداد الشارع باتجاه الجميّزة، تعرّضت غاليري «رميل» و«آرت لاب» لأضرار ماديّة، بالإضافة إلى الأذى في مقرّ «المؤسّسة العربيّة للصورة» في الشارع نفسه الذي فقد عدداً من الأبنية التراثية القليلة أصلاً في بيروت، منها ما سقط أوّل من أمس مع تحذيرات متكرّرة من تهاوي أخرى. لا يسعنا الآن حصر كلّ الخسائر في المؤسّسات الثقافيّة، خصوصاً ما بقي من الأرشيف والوثائق المحلية والعربيّة في المدينة نتيجة انفجار أطنان نيترات الأمونيوم في المرفأ. غاليري «ليتيسيا» في شارع الحمرا، ودّعت مديرتها الشابة غايا فودوليان التي قضت في الانفجار. في منطقة الحمرا نفسها، طالت الخسائر غاليري صالح بركات و«أجيال»، أبرزها إصابة خطرة تلقّاها أحد الموظفين الذي يقبع في المستشفى حالياً. وقبل دقائق، من دوي الصوت الهائل في العاصمة اللبنانية، كانت «فرقة زقاق» قد أخلت الاستديو الواقع عند تقاطع مار مخايل ــ برج حمّود. بعض المساحات في المكان، وفق ما أظهرته الصور، صارت ركاماً فيما تهاوى بعض الجدران أيضاً. علماً بأنّ الفرقة اللبنانية كانت قد أعلنت في السابق إقامة دورة جديدة من «أرصفة زقاق» في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وعلى صفحته الرسمية على انستغرام، نشر «متحف سرسق» في الأشرفية صوراً للدمار الذي لحق بواجهته الزجاجيّة التي ظلّت على حالها منذ عقود طويلة، وسقوفه التي سقطت في بعض الصالات، منها تلك التي تحتضن المجموعة الثابتة للمتحف لأشهر فناني المحترف التشكيلي اللبناني. على خطٍّ موازٍ، لحقت الإصابات بمكتبة بلديّة بيروت في منطقة الباشورة وواجهتها الزجاجية المطلّة على المقبرة، قبل أن يسارع بعض المتطوّعين إلى إزالة الركام وتنظيف المكان في مشهد جماعي تكرّر في معظم شوارع العاصمة.