بما أنّ 2020 من «أسوأ السنوات التي مرّت على لبنان والعالم»، أرادت نضال الأشقر أن تكسر «نحس» هذا العام من خلال «هيصة» تذكّر بتلك التي أطلقتها قبل 26 عاماً لدى افتتاحها «مسرح المدينة» في قلب بيروت. بهذه البساطة، اختصرت «سيّدة المسرح اللبناني» السهرة اللافتة التي دعت اللبنانيين إلى حضورها مجاناً، أوّل من أمس الثلاثاء، في الفضاء نفسه.هكذا، وتحت شعار «مَنْ يربح معركة الشباب، يربح معركة الحياة»، أعاد «مسرح المدينة» فتح أبوابه من خلال سهرة مزج برنامجها بين الغناء والطرب والموسيقى، بمشاركة الفنانين: سامي حوّاط، خالد العبد الله، بديع أبو شقرا، زياد سحاب، حنين، ألين لحود وغيرهم.
قبل انطلاق الموعد الذي نقلته شاشة lbci، خصصت نضال الأشقر وقتاً لعدد من الصحافيين، فيما حرصت على التأكّد من أنّ التدابير الوقائية من فيروس كورونا متّبعة. في حديثها مع «الأخبار»، تؤكّد «زنوبيا» أنّه في ظل التظاهرات التي عمّت الشوارع اللبنانية في الخريف الماضي، حاول «مسرح المدينة» متابعة العمل ولو بوتيرة أخف، قبل أن ترغمه الجائحة على إقفال أبوابه. خلال تلك المرحلة الصعبة، مرّ الفنانون والتقنيون في فترة صعبة جداً «في ظل غياب الدعم الرسمي وكونهم مياومين يفتقرون إلى مداخيل أخرى ثابتة». هنا، رأت نضال الأشقر أنّ عليها إعلاء الصوت والإصرار على الاستمرار لأنّه «لا نملك خياراً آخر». في سبيل هذه الغاية، وتزامناً مع التحضير لبرنامج الـ «هيصة» والمواعيد المقبلة في ما تبقى من شهر تموز (يوليو) الحالي وآب (أغسطس) المقبل (راجع النوافذ أدناه)، أطلق «مسرح المدينة» حملة جمع تبرّعات، دعا من خلالها الناس إلى مساعدته على الاستمرار عبر تقديم مبالغ لا تقلّ عن 100 ألف ولا تزيد عن 500 ألف ليرة لبنانية: «تجاوب الناس ساعدنا في إجراء تصليحات ضرورية لوجستية وتقنية... ولا تزال الحملة مستمرّة وأدعو الجميع إلى المشاركة فيها».
استمرارية العمل في «مسرح المدينة» وغيره من الفضاءات الثقافية والفنية في لبنان ضرورية لأنّ «علينا أن نمدّ الناس بالثقة والإيمان، وإثبات أنّنا كفنانين سبّاقين للسياسيين الفاشلين الذين يتبارون منذ 30 عاماً على إفقار الناس وسرقتهم»، تقول نضال الأشقر. وتضيف: «إذا لم نتمكّن من التعبير وإيصال أصواتنا، لن يبقى بلد ولا أمل». لطالما عملت ابنة المناضل أسد الأشقر على تذليل العقبات الاقتصادية التي تواجه المشهد الثقافي اللبناني منذ سنوات. لكن اليوم، يبدو أن التحديات أكبر والصعوبات أشدّ. فهل من إمكانية للمقاومة؟ ردّاً على هذا السؤال، تشدّد نضال على أنّ على المرء «التضحية... أي إعادة النظر بفكرة الفن والمسرح عموماً وطريقة تقديم المحتوى والأداء. لا مانع من الاستغناء عن الديكور أو الأزياء واستبدالها بعناصر رمزية». وتوضح في الوقت نفسه أنّ «بيروت لا تحيا ولن نتخلّص من مشاكلنا إلا إذا صمدنا كفنانين. فنحن الحياة والمستقبل، والشباب منّا هم الغد الذي نأمل أن يكون أفضل».
في هذا السياق، ترى الفنانة المخضرمة التي تعدّ من أبرز الداعمين للطاقات الشابة، أنّ الفضاءات البديلة التي وُلدت في العاصمة والمناطق في السنوات الأخيرة قادرة على الاستمرار أيضاً لأنّ الحماسة موجودة في نفوس الجميع بغض النظر عن سوداوية الواقع وفقدان الأمل أحياناً: «والدليل هو الجهوزية المطلقة لدى مَن اتصلت بهم للمشاركة في «هيصة المدينة 2020»... هم يريدون أملاً وطاقة إيجابية... صحيح أنّ ما أقوله قد يبدو عاماً، غير أنّه يمكن تطبيقه على كل حالة على حدة».
مهرجان «مِشْكال» سيركّز على الموسيقى والغناء، جامعاً بين البلوز والجاز والموسيقى اللبنانية والعربية


الحماسة التي تتحدّث عنها نضال الأشقر بدت جلية في أوساط المشاركين في سهرة 14 تموز. «الحماسة لا توصف، لأنّنا جميعاً كأولاد مسرح تغمرنا الفرحة بمجرّد معرفتنا أنّ خشبة «المدينة» عادت لاستقبال الفنانين»، تقول المغنية والممثلة ألين لحود. أما الموسيقي زياد سحاب، فيذهب أبعد من ذلك: «صدقاً، حماستي لا متناهية لأنّنا اشقتنا إلى المسرح بشكل مخيف. صحيح أنّ الغياب يحدث أحياناً، لكن عندما يكون مفروضاً يصبح الشعور مغايراً». من ناحيته، يرى الممثل بديع أبو شقرا أنّ هذه «الهيصة» هي «إعادة اعتبار للمسرح الذي يشكّل جزءاً أساسياً من التغيير في البلد. كما أنّه واجهة حضارية للبلد، وهو مغبون منذ الأزل في لبنان ويخيف السلطات التي تتعمّد إهماله». وبالنسبة إلى الفنان سامي حوّاط، الحفلة المنوّعة هي مناسبة «لإعطاء بعض الزخم للناس في ظل كمّ الإحباط الكبير الذي يخيّم على النفوس. علينا دعم بعضنا البعض».
بدءاً من الليلة، ينطلق البرنامج المنوّع الذي أعدّه «مسرح المدينة» بأسعار بطاقات مدروسة جداً. وبعد انتهائه في 26 آب 2020 مع حفلة سامي حوّاط، سيحين في أيلول (سبتمبر) موعد مهرجان «مِشْكال» الذي تعِد نضال الأشقر بأنّه سيكون «مختلفاً جداً»، إذ أنّه سيتركّز على الموسيقى والغناء، جامعاً بين البلوز والجاز والموسيقى اللبنانية والعربية، في الشارع وعلى المسرح. ومن بعد هذا الحدث، سيكون عشّاق الخشبة على موعد مع مسرحيات جديدة.