رحل ليتل ريتشارد (1932 ــ 2020)، أمس السبت، بعد سنوات من إصابته بسرطان العظام. المغني والموسيقي الذي وُلد في جورجيا باسم ريتشارد واين بنيمان، يعدّ أحد أوائل آباء موسيقى الروك آند رول بداية الخمسينيات. أغنياته الأولى مثل Tutti Frutti وLong Tall Sally وRip It Up وLucille، حقّقت نجاحاً تجاوز أميركا، ووصل إلى عدد من الفرق والفنانين العالميين ممن جاؤوا لاحقاً. ساهم مع غيره من الفنانين في جعل ما كان يطلق عليه حتى ذلك الحين الموسيقى العرقية موسيقى جماهيرية بتقديمها إلى شريحة واسعة من المستمعين البيض. هكذا ألهمت تجربته التي أصدر خلالها عشرات الألبومات، جيلاً لاحقاً من الفنانين مثل إلفيس بريسلي الذي أعاد تقديم بعض أغنياته، وبوب ديلان وبرينس وإلتون جون وفرقتي الـ «بيتلز» والـ «رولينغ ستونز» اللتين كانتا تفتتحان حفلاته في بداياتهما، بالإضافة إلى جيمي هندريكس الذي ظهر بداية كعازف في فرقة ريتشارد. خلال الفترة الأولى من حياته، تأثر ريتشارد بموسيقى البلوز والغوسبل والـ R&B وطوّر هذه الأنماط بأسلوبه وأدائه على الخشبة، مدشّناً نمطاً مستقلاً هو الروك آند رول. لم يمنح ريتشارد هذا النمط الموسيقي الجديد صوتاً فحسب، بل أعطاه شكلاً، وجعل منه أسلوب حياة جامحاً لجيل كامل، خصوصاً في إطلالته على الخشبة، بأزيائه وتسريحة شعره ومكياجه وغنائه وضرباته الحماسية على البيانو التي كانت تشعل الجمهور والمشاهدين، وتدفعهم في بعض الحفلات إلى انتزاع ملابسهم. البداية كانت في حفلات سريّة، ثم بالغناء في نادي «تيك توك» في ماكون (جورجيا). حينها، كان يؤدي أغنيات مثل «توتي فروتي» التي لم يكن ينوي تسجيلها، لكنه حين قرّر ذلك، اضطرّ إلى تهذيب كلماتها الجنسيّة الفجّة نزولاً عند طلب المنتج. ورث ريتشارد هذه البذاءة من أغنيات البلوز التي أدّاها المغنون السود قبله، أمثال بيغ ماما ثورنتون وروبرت جونسون وبلايند ليمون جيفرسون. بعد النجومية والنجاح الذي حقّقه في الخمسينيات، ظلّ ريتشارد يتمزّق بين التديّن والإدمان على المخدّرات وحياة جنسية صاخبة ألقت به مراراً في السجن. هكذا، كان يشهر مثليته الجنسية خصوصاً في أزيائه وإطلالته التي تماهت مع تنميطات المثلية الجنسية حينها، فيما كان يعترف أحياناً بأن الله خلقه رجلاً. العودة إلى الله جاءت بعد حادثة طائرة في طريقه إلى أستراليا. قطع على نفسه وعداً بأنّه في حال نجاة الطائرة من التحطّم فسيعود إلى الله.
هكذا، ألغى جولته وانسحب من الأضواء ليصبح مرسلاً في بعثة إنجيلية ويسجّل أغنيات دينية. عاد إلى الواجهة في الستينيات والسبعينيات، حيث واصل التسجيل والجولات الموسيقية والتمثيل في السينما قبل أن يختفي مجدّداً لعقد كامل، ويعود إلى الأضواء مرّة أخرى في الفترة التي دخل فيها اسمه إلى قاعة «مشاهير الروك آند رول» سنة 1986، مع أوائل الفنانين الذين التحقوا بالقاعة، أمثال تشاك بيري وسام كوك وإلفيس بريسلي. ورغم أنّه أعلن اعتزاله سنة 2002، إلا أنه ظلّ يطلّ في حفلات ومقابلات وإعلانات، فيما لم يتردّد بالتباهي بتأثيره على فنانين آخرين. أعلن مراراً في تصريحات إعلامية بأنه هو من عبّد الطريق لإلفيس بريسلي، وزوّد ميك جاغر بحركاته الجسمانية على الخشبة، وأعطى بول مكارتني دروساً في الغناء. وفي حين يجمع عدد من النقاد على التقليل من القيمة الموسيقية لأعمال ريتشارد، إلا أنّ ذلك لا ينتقص من هذه الظاهرة الموسيقية التي جعلته أيقونة لجيل كامل في أميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية.