عبد الرحمن أبو القاسم... رحلة شاقة اختتمت في دمشق

  • 0
  • ض
  • ض
عبد الرحمن أبو القاسم... رحلة شاقة اختتمت في دمشق
توفي الممثل الفلسطيني المخضرم إثر أزمة قلبية

غيّب الموت، صبيحة يوم الجمعة المنصرم، عبد الرحمن أبو القاسم (1942ــ 2020) إثر أزمة قلبية. رحلة طويلة وشاقة قطعها الممثل الفلسطيني المخضرم من قريته «صفورية» في فلسطين ما بعد نكبة 1948 إلى دمشق. عبر طفل السادسة دروباً وعرة باتجاه بنت جبيل في لبنان، قبل أن تستقر العائلة في دمشق، ليعمل بائع حلوى، فيما كان يمضغ أيامه المرّة بصمت. التمارين الأولى في المسرح المدرسي في خمسينيات القرن المنصرم، قادته لاحقاً لاحتلال موقع الحكواتي كي يروي مأساة بلاده، مرتحلاً من منصة مسرحية إلى أخرى إلى أن لجأ في سنواته الأخيرة إلى المونودراما كخشبة خلاص أخيرة للتعبير عن تمزقّاته الذاتية وشغفه بالخشبة المسرحية، بين عمل تلفزيوني وآخر، مما تتيحه الشاشة له من أدوار متباينة في أهميتها. سنتذكر صورة أخرى للحكواتي في شخصية «ابن الرومية» من مسلسل «الجوارح» مع المخرج نجدت أنزور، الشخصية التي تركت بصمة خاصة في ذاكرة الدراما العربية، وصولاً إلى عمله الأخير «بروكار» مع محمد زهير رجب. كانت الانعطافة الأساسية في رصيده المسرحي، بانتسابه إلى المسرح الوطني الفلسطيني والعمل بصحبة المخرج جواد الأسدي. كان عرض «العائلة توت» عن نص الهنغاري اسطفان أوركيني على خشبة مسرح القباني في دمشق (1983) ينبئ عن طاقة استثنائية لهذا الممثل في دور الضابط «توت» بخصوبة حضوره ونبرته المتفردة، إذ «أحال الدور إلى لذة موسيقية غنائية في سياقات كوميدية حرّة، تمنح المتفرّج مساحات لاستبطان المفارقات الفاشية» وفقاً لذكريات جواد الأسدي عن هذا العرض. وسيلتقي الاثنان مرّة أخرى في عرض «الاغتصاب» عن نص لسعدالله ونوس، ورغم الفرق الشاسع بين الشخصيتين، إلا أن عبد الرحمن أبو القاسم تمكّن من «فتح ثغرة هائلة في الجدار الدموي للنصّ محوّلاً ذلك المشهد الملتبس الملغوم بنصوص المخبرين إلى منصة للجنون». أفول هذه الحقبة المسرحية المزدهرة، لم يطفئ شغف هذا الممثل اللافت بالخشبة، وإن ببريقٍ أقلّ، نظراً لغياب العناية الرسمية بمتطلبات الفرجة المسرحية ونزوح الممثلين إلى العمل في الدراما التلفزيونية. هكذا سيؤكد أبو القاسم حضوره النوعي في الخريطة الدرامية بأدوار متباينة في أهميتها بأعمال مثل «الكواسر»، و«الكف والمخرز»، و«الجمل»، و«حاجز الصمت»، مرتّباً كيانه الروحي والجسدي بما تتطلبه هذه الشخصيات من جرعات مدروسة في الأداء. كما سيحضر في السينما بفيلم «صهيل الجهات» للمخرج ماهر كدو (1993)، و«الطحين الأسود» (2001) للمخرج غسان شميط، بدور شيخ جليل يجسد حالة روحانية تنتهي باختفائه ليحلّ في روحٍ أخرى، وفقاً لطقوس التقمّص في بيئة الجنوب السوري. على الأرجح فإن هذه الروحانية ألقت بظلالها على طراز عيش أبي القاسم في سنواته الأخيرة، وميله إلى نوع من الصوفية، خصوصاً بعد زيارته إلى فلسطين بدعوة من وزارة الثقافة الفلسطينية (2012)، وتمكّنه من زيارة كنيسة المهد والصلاة فيها، بأمل العودة إليها ثانية، لكن قلبه خذله أخيراً.

0 تعليق

التعليقات