بعد إيليس مارسالس، يضرب عزرائيل عائلة موسيقية أميركية كبيرة، خاطفاً، كما عند آل مرسالس، كبير القوم. إنو باكي بيزاريللي، عازف الغيتار وموسيقي الجاز الغني عن التعريف الذي توفي بعد إصابته بفيروس كورونا.
كلمة بيزاريللي تعني ما تعنيه بالإيطالية، لكنها في عالم الموسيقى «تدلّ»، بشكل أساسي، على الغيتار. فبيزاريللي الأب هو والد عازفَي الغيتار جاز (وغيره)، الشهير جون بيزاريللي، وشقيقته المغمورة ماري، عازفة الغيتار المهتمة أكثر بعالم الكلاسيك. حفيدته مادلين بيزاريللي، ابنة جون، أيضاً عازفة غيتار، في حين تضم العائلة موسيقيين آخرين، مثل ابن الراحل، عازف الباص مارتن بيزاريللي و«كنّته»، زوجة جون، مغنية الجاز المعروفة جيسيكا مولاسكي.
باكي بيزاريللي مولود عام 1926، وهذا يعني أنه عايش معظم التيارات الموسيقية في مجال الجاز، بدءاً من السوينغ، علماً أنّ بداياته، كما هي حال معظم زملائه المحترمين، كانت مع الموسيقى الكلاسيكية وقواعدها الصارمة التي تنمّي قاعدة فنية متينة تسمح بالانطلاق منها إلى فضاءات موسيقية أخرى، من الجاز إلى الروك. عمل الراحل مع عائلته، فدعاهم إلى مشاريعه الموسيقية، كما لبّى دعوتهم إلى مشاريعهم (بالأخص ابنه جون، الفرد الأكثر نشاطاً وشهرة في العائلة).
رغم موهبته الكبيرة، تأخرت مسيرة باكي بيزاريللي في الانطلاق، إذ عمل لسنوات ضمن فرق (وعزف شتى الأنماط التي كانت رائجة آنذاك في أميركا) وبقي اسمه خارج التداول لغاية مطلع الستينيات، قبل أن يمضي فترة عازفاً إلى جانب أسماء كبيرة مثل ديزي غيلسبي وبول دزموند وإيتا جونز وهربي مان. لكن تعاونه الأكبر في الكم والزمن، كان مع أشهر عازف كمان في عالم الجاز، مواطنه مرّتين، ستيفان غرابّيلّي. وكذلك عمل ضمن فرقة أسطورة السوينع والكلارينت بيني غودمان. مشواره الفني الخاص انطلق فعلياً مطلع السبعينيات، عندما توافر الناشرون الموسيقيون. بدأ بإصدار ألبوماته الخاصة، ليبلغ عددها العشرات حتى 2007 مع إطلاقه الديسك المعبّر الذي يحمل عنوان «أجيال»، على غلافه صورة تجمعه بابنه جون. أما المحتوى الموسيقي، فكلاسيكيات غنائية شعبية (خزان الجاز الأول) بشكل أساسي، بالإضافة إلى محطة من الريبرتوار الكلاسيكي الغربي (أي موسيقى كلاسيكية)، وجميعها مولّفة لآلتي غيتار فقط.
بعد ذلك، تقاعد باكي بيزاريللي من العمل في الاستوديو، خاتماً مسيرته الخاصة وتلك التي دعاه إليها آخرون، لكنه استمر في الظهور على الجمهور لسنوات إضافية، قبل أن يبتعد عن الأضواء أخيراً… وعن الوجود أول من أمس.