مع تفشّي فيروس كورونا في كلّ أنحاء العالم، توقّف العالم بأكمله عن الحركة مع التزم معظم الناس الإقامة في بيوتهم. هكذا، صارت وسائل التواصل الاجتماعي النافذة الوحيدة لتبادل النصائح والاقتراحات لتمضيّة الوقت. تداول مستخدمو فيسبوك أخيراً رابطاً لتحميل كتاب «الأوبئة والتاريخ: المرض والقوة الإمبريالية» (Epidemics and History: Disease, Power and Imperialism) لشلدون واتس بترجمته العربيّة الصادرة عن «المركز القومي للترجمة» (تعريب: أحمد محمود عبد الجواد) عام 2010.المؤلّف الذي صدر في أميركا عام 1999، يعدّ مساهمة مختلفة في تاريخ الأوبئة في العالم، إذ يجري فيه المؤرّخ الثقافي الأميركي شلدون واتس دراسة شاملة للأوبئة والأمراض التي ضربت العالم خلال القرون الستة الأخيرة منها الطاعون والجذام والجدري، والسفلس والكوليرا، والملاريا. لكن الأكاديمي الذي أمضى أعواماً طويلة في التعليم في القسم الجنوبي من العالم، لا يكتفي بمقاربة هذه الأوبئة من وجهة نظر طبيّة، إذ يقدّم مقاربة متفرّدة في علم الأمراض مستكشفاً العلاقة بين الأوبئة وتجليات القوّة الامبرياليّة في أميركا الشمالية والجنوبية وأفريقيا وآسيا وأوروبا. يتتبع الكاتب أيضاً كيف أن التصوّرات عن الذين تستهدفهم الأوبئة تغيّرت على مرّ السنوات، وولّدت بعض الخطابات السياسيّة والطبيّة. أهميّة المؤلّف، الذي ربّما يكتسب راهنية مضاعفة اليوم بفضل الاتهامات التي تتبادلها الصين وأميركا، تكمن في أنه يذهب بعيداً في اتهام الطب الغربي، الذي، وفق واتسن، لم يفشل في علاج الأمراض التي ولدها التوسّع الغربي نفسه فحسب، بل إن هذا الطب الإمبريالي كان أداة للهيمنة الإمبرياليّة نفسها. يشير الكاتب بلا مواربة إلى مؤسسات القضاء على الأوبئة في الدول الغربيّة، مظهّراً علاقات السلطة والسيطرة الناشئة عن هذه المؤسسات التي تتشابه مع العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر. ربّما هو الوقت المناسب لقراءة هذا الكتاب الصادر قبيل بداية القرن الحادي والعشرين، إذ يتنبّه مبكراً إلى دور التغيّرات المناخيّة (بفضل التطوّر والصناعة) في إنتاج هذه الأوبئة، متوقّفاً عند العلاقة بين الأوبئة والمجتمعات في فضاءاتها المادية، وفي تجليّاتها في أذهان الحكاّم والمحكومين. علماً أن واتس ألحق مؤلّفه بكتاب آخر عن الأوبئة والأمراض في التاريخ بعنوان Disease and Medicine in the World History صدر عام 2003، ويعدّ أشبه بمقدّمة لأفكار حول الأمراض وكيفية علاجها في العالم لكن من وجهة نظر بعيدة عن المركزيّة الغربية. إذ يجري مسحاً منذ الفراعنة، مروراً بتطوّر الأنظمة الطبية في الشرق الأوسط، وبالعلاج في الصين والهند، وصولاً إلى عولمة المرض في العالم الحديث.