دورة «مهرجان البستان» هذه السنة اتّسمت بالصمود الأسطوري أمام كل الحواجز والصعوبات والتحدّيات من كل الأنواع. انطلق في موعده يوم 18 الشهر الماضي. سارت أمسياته كـ«الساعة»، من دون أيّ هفوة، ولا تعكير. ضرب كورونا العالم، فتلقّى «البستان» ارتداداً طفيفاً من خلال إلغاء أمسية كان سيشارك فيها كورسٌ من إيطاليا، فتمّ تأمين بديل («الأخبار» عدد الثلاثاء 10 آذار/ مارس). لكن في منتصف الدورة تقريباً، سقط المهرجان الأنيق بالضربة القاضية، بعد إعلان وزير الصحة خبر «ارتقاء» الفيروس القاتل إلى مرحلة الانتشار. إذ تلاه تعميم وزارة السياحة الذي يطلب «من أصحاب ومستثمري الملاهي والنوادي الليلية والمراقص العامّة على الأراضي اللبنانية كافة، الإقفال بدءاً من 7 آذار (مارس) الجاري ولغاية 15 الجاري ضمناً». طبعاً، «البستان» ليس مرقصاً عاماً ولا نادياً ليلياً، لكن التعميم طاله بطبيعة الحال. الدورة تنتهي في 22 الجاري، لكن رئيسة وأعضاء لجنة المهرجان «قرّروا إلغاء الحفلات المتبقية كافة، اعتباراً من 11 آذار (مارس) 2020 وحتى 22 آذار (مارس) 2020». وكذلك دعوا كلّ من يرغب باسترجاع ثمن البطاقات، التوجّه إلى فروع مكتبة «أنطوان» كافة أو إلى مكتب «مهرجان البستان».خسارة. خسارة كبيرة. صحيح أن المهرجان شهد تسع أمسيات، بعضها ارتقى إلى المستوى التاريخي في الأداء، لكن الثقل في الدورة كان يميل إلى نصفها الثاني، أي إلى المواعيد التي ألغيَت. الأربعاء 11/3 كان من المفترض أن نسمع كونشرتو البيانو الثاني والسمفونية الثانية، وهما تحف تستحق تقديراً أكبر من المستوى المتعارف عليه على سلّم القيمة الفنية لريبرتوار بيتهوفن. الأمسية كان سيشارك فيها عازف البيانو الأوكراني ألكسندر رومانوفسكي، و«الأوركسترا الأرمنية لموسيقى الحجرة» بقيادة جيانلوقا مارتشيانو. بعده، مساء الجمعة، كان موعد السمفونية التاسعة، تاج أعمال بيتهوفن المرصّع بالجمال ورسالة التآخي. مساء السبت المقبل، كان الموعد مع الأمسية ذات الإطار الخاص، لأحد أبرز الفئات في ريبرتوار أعمال المؤلف الألماني: رباعيات الوتريات. كنا سنسمع، من دون أن نرى، Sacconi Quartet، في أداء لبعض هذه الرباعيات (الأرقام 6، 11 و14) على العتمة! في 15/3 «التاسعة» أيضاً وأيضاً، بعد استبدال «القداس الاحتفالي» بها. في 19/3 كانت الأمسية محجوزة للرقم 4: كونشرتو البيانو الرابع والسمفونية الرابعة. يا للخسارة الكبيرة! الإيطالي جيوزيبي غواريرا كان سيتولى العزف على البيانو في الكونشرتو، ترافقه الأوركسترا الأرمنية الزائرة بقيادة مارتشيانو… والختام، وما أدراكم ما الختام، كان محجوزاً لـ«السابعة» التي يعتبرها كثيرون أجمل سمفونيات بيتهوفن، ومعها الـChoral Fantasy، العمل الجميل ذو التركيبة الفريدة التي تجمع البيانو (فيتالي بيسارنكو) والكورس (جوقة الجامعة الأنطونية) والأوركسترا (الأرمنية بقيادة مارتشيانو). مع الأسف، كل هذا الجمال طار بفعل فيروس… على أمل أن نبقى أقله نحن على القيد، في بلدٍ ليس وحده كورونا القاتل الذي يبحث فيه عن ضحايا.