رفعت طربيه: عمر على المسرح

في عنوان كتابه، يلعب الممثّل اللبناني رفعت طربيه على اسمه ليصبح «رُفعت الستارة» هو عنوان سيرته الذاتية التي صدرت هذه السنة عن «دار صادر». لا يعتمد الفنان اللبناني تسلسلاً كرونولوجياً في سيرته. هو يكتبها على شكل ومضات من الذاكرة، بدءاً من تاريخ العائلة، والشجرة التي تحدّر منها. إنّها استعادات لأزمنة وأماكن ولوجوه رحلت بعدما صنعت ألق المشهد الثقافي اللبناني: منير أبو الدبس، ونزيه خاطر، وأنطوان ملتقى، وجانين ربيز، ويوسف الخال، وغيرهم. يأخذنا طربيه إلى بداية رحلته المسرحية التي دشّنها في «مدرسة بيروت للمسرح الحديث»، حيث كانت أيضاً انطلاقة المسرح اللبناني عام 1960. هناك «معهد الفنون» في «الجامعة اللبنانية»، ومحطّات أساسية وتحوّلية في تاريخ المسرح اللبناني. نخرج من نصّ وندخل في آخر: «هاملت» شكسبير، و«ذباب» سارتر... ولعلّ ما يمنح الكتاب بعداً آخر هو حضور بيروت، ليلة الحرب الأهليّة التي أمضاها طربيه في منزله في الشياح، على خطوط التماس. ليست هذه السيرة فرديّة تماماً، إذ ترتبط أساساً بتاريخنا الثقافي والمسرحي اللبناني، والأحداث الأساسية التي رافقت تلك المرحلة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.

«أنطوان» مازن كرباج


لم يغِب أنطوان كرباج الأب يوماً عن رسومات وأعمال مازن، خصوصاً في مشاريعه المشتركة مع والدته لور غريّب. هذه المرّة، يتفرّغ رسام الكوميكس اللبناني لحياة والده تماماً في قصّته المصوّرة الجديدة «أنطوان» (السمندل) التي صدر منها حتى الآن جزءَان باللغة الفرنسيّة، هما: «المصير العربي» و«شارع الحمرا». يستهلّ كرباج «المصير العربي» بالفصل الأوّل من مسرحيّة «المارسييز العربي» لمحمّد الماغوط، التي أدّى بطولتها والده أنطوان كرباج، وأخرجها يعقوب الشدراوي، وألّف موسيقاها زياد الرحباني. وللمفارقة، فقد بدأ عرض المسرحيّة في شباط (فبراير) سنة 1975 على «مسرح أورلي» في الحمرا، حيث حقّقت نجاحاً هائلاً وظلّت العروض محجوزة بالكامل طيلة شهر ونصف، إلى أن توقّفت يوم اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانية. إذ كانت آخر العروض صباح 13 نيسان وأُلغي العرض الليلي ولم يعد تقديمها مجدّداً. لذا، فإنّ استعادة تلك المسرحيّة، ضمن قصة مصوّرة، تكتسب أهمية مزدوجة تتمثّل أوّلاً في إعادة إحياء رائعة محمد الماغوط المنسيّة، بالإضافة إلى التذكير بفصل أساسي من فصول المسرح اللبناني في الفترة التي سبقت الحرب. أما في الجزء الثاني من القصّة «شارع الحمرا»، فيأخذنا مازن إلى رحلة في شارع الحمرا. بأسلوبه المتهكّم والجامح المألوف في رسم الوجوه، تمرّ بنا القصة عند أبرز المباني والشوارع البيروتية المألوفة، خصوصاً شارع الحمرا الذي ترافق صعود نجمه مع ازدهار الثقافة والمسرح والفنون في لبنان.

صباح فخري... سيرة وتراث


حين نذكر صباح فخري، فإنّ أوّل ما يأتي إلى أذهاننا هو مدينة حلب. هذه هي الطريق التي قطعتها شذا نصّار في مؤلّفها «صباح فخري ــ سيرة وتراث» (هاشيت أنطوان). في كتابتها لسيرة أيقونة الطرب السوري والقدود الحلبية، تذهب نصّار أبعد من السيرة الفردية لصباح فخري، موثّقة مرحلةً كاملة في سوريا والعالم العربي. الإصدار الذي أخذ على عاتقه، للمرّة الأولى، كتابة سيرة فخري منذ الطفولة يتوقّف عند المراحل الأساسية في حياته، منها أحياء حلب مثل حارة الأعجام وحي القصيلة حيث ولد وكبر وتعرّف إلى القدود والموشّحات. يرافق المؤلّف انتقال فخري إلى دمشق التي خطا فيها أولى خطواته الفنية نحو الشهرة، وفي بعض الفصول يوغل أكثر في حياته الشخصيّة. في هذه السيرة الوافية، استندت نصّار إلى مقابلات مع فخري، نقرأ جزءاً منها في الكتاب الذي يتضمّن صوراً ووثائق أرشيفيّة نادرة. يبدو العمل هدية مثالية لمحبّي نمط القدود، إذ يعبق بالتراث الحلبي، ويظهر الخشبات التي اعتلاها في العالم العربي والغربي، إلى جانب بعض علاقاته بالمشاهير والشعراء، أمثال: محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وصباح وآخرين.

شوقي أبي شقرا: شاهد على زمن آفل


«شوقي أبي شقرا يتذكّر» (دار نلسن) هو وثيقة سرديّة تمتدّ لحوالى ستة عقود. يكتب الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا ويستعيد حياته الشخصيّة التي تزامنت مع فترات أساسيّة من نهضة الحياة الثقافية وحداثتها في لبنان، وفي بيروت تحديداً. مجلّة «شعر»، وصحف «الزمان» و«البيرق» و«النهار»، هي بعض محطّات الشاعر الأساسية. يستذكرها ويستذكر وجوهها في فصول مؤلّفه. أبي شقرا الذي ابتكر معجماً شعرياً متفرّداً في قصائده بدءاً من باكورته «أكياس الفقراء» (1959)، هو هنا الشاهد على زمن آفل. طفولته وإن انقضت باكراً، إلّا أنها ظلّت تسكن قصائده. ثمّة محطّة في الكتاب لتلك المرحلة التي قضاها متنقّلاً بين القرى والمناطق بسبب عمل والده. لكن أبي شقرا يستفيض في الحديث عن بيروت، وعن الحرب وتجاربه وذكرياته التي تفيض بوجوه من عايشوا تلك الفترة وصنعوا ألق المدينة، أمثال: نزيه خاطر، أنسي الحاج، وضّاح شرارة، بول شاوول، عصام محفوظ، عباس بيضون وغيرهم. ضمن 800 صفحة، تكاد هذه المذكرات تغطّي سيرة أبي شقرا بأكملها إذ أنها تضم الجوائز التي نالها، والمقالات النقدية التي كُتبت حول قصائده برفقة مواد بصرية وفوتوغرافيّة من حياة الشاعر.

ريشة سيتا مانوكيان


لا يمكن الحديث عن المحترف التشكيلي اللبناني من دون التوقّف طويلاً عند تجربة الفنانة اللبنانية سيتا مانوكيان. كتاب Seta Manoukian: Painting in Levitation الذي صدر هذه السنة كتعاون بين مجموعة «سرادار» و«دار كاف»، يحوي سيرة بصريّة ولغويّة تحتفي بتجربة مانوكيان التي تركت لبنان منذ عقود وأصبحت راهبة بوذية في أميركا. تأتي أهميّة الكتاب من كونه يتضمّن عدداً وافراً من لوحات مانوكيان التي تتوزّع على مجموعات خاصّة بين الأردن ولبنان وأميركا وبلدان أخرى. ثروة الكتاب الحقيقية، تكمن في أنّه يحوي ذلك النتاج الفنّي الشامل الذي يعرّفنا إلى مراحل مختلفة من تجربة الفنانة تمتدّ على خمسة عقود تقريباً. سنرى لوحات البدايات في الغرف، والمرحلة البيضاء في الستينيات، وصولاً إلى نمط ما فوق واقعي في رسم الحرب والمدينة وناسها خلال السبعينيات والثمانينيات، وفترة أشكال الـ T لدى انتقالها إلى أميركا، ثم مرحلة التجريد المكثّف، ودخول العناصر العضوية والطبيعية إلى أعمالها كالدم والحليب، والورد والحجارة والخبز... فضلاً عن تجهيزاتها الفنية والأدائية التي تزامنت مع إقامتها في الولايات المتحدة. برفقة صور لوحاتها، ثمّة مجموعة من النصوص المكتوبة باللغتَين العربية والإنكليزية. المؤرّخ والأكاديمي غريغوري بجاقجيان، كتب مقالة وافية عن حياتها الشخصية وتجربتها الفنية، بالإضافة إلى مقابلة أجرتها معها الباحثة اللبنانية كريستين خوري في لوس أنجليس. هناك أيضاً تسلسل كرونولوجي لفترات من حياة سيتا، أنجزتها ووثّقتها بالتفصيل أختها المصوّرة اللبنانيّة ألين مانوكيان.