بين عامي 2016 و2018، أعدّ علاء ميناوي (1982) بحثاً فنياً في أمستردام حيث لا يزال مقيماً لنيل شهادة الماجستير في الفنون الجميلة والسينوغرافيا والتصميم، تمحور حول الانتماء وعلاقته بالفضاءات الحسيّة والأماكن.يومها، حمل البحث عنوان The Performativity of belonging – Between Utopia and Dystopia (فاعلية الانتماء ــ بين اليوتوبيا والديستوبيا)، وركّز فيه الفنان المولود لأب فلسطيني وأم لبنانية على الجزء الفلسفي والوجودي للموضوع، قبل أن يُترجم بتجهيز. أدخل علاء الناس إلى ما يشبه الآلة في فترة زمنية بعد 30 عاماً من التخرّج، أي في سنة 2048 حيث تختفي فكرة الانتماء وتصادف ذكرى مرور مئة عام على النكبة. يدخل المشاركون على شكل مجموعات صغيرة يتألّف كلّ منها من أربعة أفراد، وتسألهم الماكينة عن حيواتهم وطفولتهم وذكرياتهم، ويخوضون رحلة على مدى 20 دقيقة. بعدها، يُصار إلى طرح أسئلة أخرى تحثّ على «التفكير سوياً حول فكرة الانتماء».
لا شك في أنّ إيجابيات انتقال لاجئ فلسطيني في لبنان للدراسة والعمل والعيش في هولندا كانت كثيرة، أبرزها إتاحة الوقت أمامه للتفكير في عملية صنع العمل الفني والحاجة إلى «إشراك نفسي جسدياً في تجهيزاتي»، على حدّ تعبيره.
«عندما أنهيت مشروع الماجستير قرّرت أنّني لا أريد التوقف، بل أرغب في إنجاز جزء ثانٍ وثالث وأكثر. فأنا توّاق للحديث عن الانتماء من زاويا مختلفة»، يؤكد ميناوي في اتصال مع «الأخبار». ثم يشرح أنّه في 2019، ارتأى الاشتغال على الشق السياسي للموضوع، أي طرح أسئلة عن ماهية الدولة، والانتماء، والحدود، والعقد الاجتماعي بين الناس...
هكذا، يكشف صاحب «نور يرتحل» (تجهيز ضوئي) عن مشروعه الجديد «2048/ أجساد ــ حدود ــ انتماء»، بين الخامس والسابع من أيلول (سبتمبر) المقبل ضمن فعاليات مهرجان «فرينج» في أمستردام. وعن سبب محافظته في الجزء الثاني على اسم «2048»، يؤكد ميناوي أنّ الأمر مرتبط بالذكرى المئوية الأولى للنكبة الفلسطينية: «أنا من مخلّفات ما جرى في عام 1948 بشكل أو بآخر، كما أنّ فكرة الـ 100 سنة بحدّ ذاتها تتمتع بأهمية ووقع كبيرَيْن». اليوم، ينطلق علاء ميناوي من تجربته الشخصية لإعداد مشروعه المنتظر، فهو يسمّى في لبنان «لاجئاً» بينما تصفه هولندا بأنّه stateless أو (بلا دولة/ جنسية). بين هذا الشاب والجمهور «تاريخ وحدود»، تكشف الكثير من القصص والخفايا وتوضح الكثير من الأمور.
الاسم مستوحى من ذكرى مرور مئة سنة على النكبة


فهل انعدام الجنسية هو الحل، كونه الشاهد على «فشل النظام»؟ سؤال يرغب الفنان الذي درس في «الجامعة اللبنانية الأميركية» في بيروت طرحه، مع دعوة الجميع إلى عدم الانتماء إلى أي مكان، ولنرَ «ما الذي سيحدث».
العرض المقبل سيكون في حدّ ذاته تجربة ينضم إليها الحضور. إنّه عبارة عن تجهيز أدائي، تدور رحاه في غرفة «كنت موجوداً فيها. سيدخل الناس إليها بعدما تركتها ووخلّفت ورائي تسجيلاً صوتياً سيسمعونه»، يقول. ويتابع: «سأقول لهم إنّني وصلت إلى الانتماء الكامل وسأخبرهم عن نفسي وعلاقتي بهذه الفكرة وعن كيف يمكنهم تحقيق ذلك، فيما سيُطلب منهم فعل أشياء وطقوس في سبيل بلوغ هذا الهدف». المشاركون لن يزيد عددهم عن 34، سينخرطون بحسب ميناوي في تجربة جماعية ستدخل في الوقت نفسه إلى حياة كلّ منهم على حدة، في الوقت الذي يستمع فيه الجميع إلى تجارب بعضهم البعض.
الجزء الثالث لا يزال يلفه الغموص، لكن الأكيد أنّه سيُعرض في مهرجان Dancing on the Edge الذي يقام بين 13 و24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 في عدد من المدن الهولندية. كل ما نعرفه عن العمل حتى الآن أنّ مدّته لا تتجاوز الـ 15 دقيقة، وسيكون الجمهور مرغماً على المرور فيه قبل التوجّه إلى العرض أو المسرحية التي حضروا من أجل مشاهدتها. باختصار، سيتناول العرض مفهوم الانتماء لكن في قالب وطرح مختلفَيْن، وبين شخصين فقط هذه المرّة.