انطفأ أمس في جنيف منذر كم نقش (1935- 2019)، أحد الأسماء اللامعة في المحترف السوري منذ سبعينيات القرن المنصرم إلى اليوم. درس التشكيلي الراحل في كلية الفنون الجميلة في دمشق (1968)، وأكمل دراساته العليا في باريس، وكان أحد مؤسسي «جماعة العشرة» (1972) التي أتت من موقع الاختلاف في تأصيل نبرة تشكيلية مضادة، وضمّت أسماء لافتة مثل نذير نبعة، وغياث الأخرس، وعبد الله مراد، وخزيمة علواني، وأسعد عرابي. اختط منذر كم نقش أسلوبيته المتفردة من إعادة مزج فنون عصر النهضة بالأسطورة، سواء في أعماله التصويرية أو النحتيّة، مؤكداً على خصوصية مدهشة في بناء لوحته وتقشفها اللوني، مكتفياً باللون القرمزي وتدرجاته، بتحوير الجسد الأنثوي الغارق في الحلم، أو كما يقول عنه أسعد عرابي: «تعوم أجساده الأنثوية بعريها الطهراني في قبة الفلك الأعلى متخلصة من آثام الاتصال الحسي، وبالقدر الذي تستطيع به أن تملك إيحاءه الخصوبي الميثولوجي، فإنك ترى معراجية تصوفية خاصة به، ولاسيما طريقة رسمه للأنامل الرهيفة».
من أعماله
معرضه الاستعادي الأخير الذي استضافه «المركز الوطني للفنون البصرية» في دمشق، أواخر العام المنصرم، كان فرصة استثنائية لاكتشاف مناخاته الغنية وأسئلته الوجودية المشبعة بالإحالات الأسطورية ومعنى الخصب في التأكيد على فكرة الدوران، وجماليات الطبيعة الأم، والإغواء الخفر للجسد العاري. وإذا بكائناته النورانية تسبح في فضاءات حلمية لا تخلو من فتنة وزهد في آنٍ واحد. رؤوس ضخمة، وأجساد مكشوفة تختزل رؤيته للمقدّس والروحاني من جهة، والشهواني من جهةٍ ثانية، في إغواء بصري، وعناق حميمي مع ما هو أرضي ومحسوس، كأننا أزاء منطقة تشكيلية تتأرجح ما بين النعاس والحلم.