وتسألني يا صديقي عن مسيحيّتي في هذا الزمن... زمن التفلّت والمظالم والمكابرة... زمن الفساد المستشري وضياع الحقوق... زمنٍ، لو شاء ربُّك أن يتدخّل فيه، لأنزل علينا النار والكبريت، كما فعل، ذات مرة، في سدوم وعمورة، قبل آلاف السنين!؟ألا فاعلم يا صديقي أن المسيحيَّة هي فعل إيمان بالله يتجسَّد في محبة القريب... والقريب في ثقافتِنا ليس حصراً مسيحياً. إنه أي إنسان في أي زمان ومكان. وقد دعانا الإرشاد الرسولي الأخير إلى عيش «المحبة المسيحيَّة، والتي هي محبة لجميع البشر». وهذا ما يحمله اليوم البابا فرنسيس في تجواله ونداءاته.
■ ■ ■

المسيحية هي مجموعة فضائل يزاولها المرء في يومياته، بدءاً بالغيريَّة، والمجانيَّة، وبذل الذات، وصولاً إلى الصدق، والأمانة، والتسامح وما إليها...
وقد شكلت تلك المسيحية مع الإسلام في مشرقنا العربي أعظم أنموذج للعيش معاً...
ليكون لبنان «وطن الرسالة»...
تلك هي حقيقتنا التاريخية من البطريرك المؤسس يوحنا مارون إلى يومنا، مروراً بالبطريرك الياس الحويك، «بطريرك لبنان الكبير».
تلك هي حقيقة لبنان من الإمام الأوزاعي إلى زماننا، مروراً بالأئمة العامليين وفخر الدين.
ونحن في بلدتنا، بل في محيطنا الصغير، نجسّد تلك الحقيقة منذ أن كنا على هذه الأرض الطيِّبة... الأرض المعطاء...
■ ■ ■

فيا صديقي، قد لا أبالغ إذا قلت إننا هدية السماء للأرض... لنكون الحقيقة الصارخة في وجه العالم المتجبر، والذي يكرس الأحادية على حساب الشعوب وحقوقها.
أوليست هذه هي الحقيقة التي يدافع عنها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المتشبث بأحقيَّة المجتمع التعددي في وجه كيان صهيوني استيطاني توسعي ونزعة تكفيريَّة إلغائيّة جاحدة!؟
صديقي، قد لا نكون في حاجة إلى إعادة تأكيد حقيقتنا الدينية والتاريخية والوطنية.. لكن ما نرى ونسمع من حولنا يجعلنا نجاهر بذلك حرصاً على أجيالنا الصاعدة.
لذا، كان لا بدّ لنا أن نسأل أنفسنا، ونحن نقترب من زمن القيامة، ما إذا كنا حقاً مسيحيين!؟
■ ■ ■

سألت نفسي مرة، في زمن الشدَّة، عمن يحمي المسيحيين في هذا المشرق... لأجيب: من يحمي المسيحيين، أولاً هو المسيح الذي قال لنا: «لا تخافوا، فأنا معكم حتى المنتهى»؛ وثانياً، المسيحيّون أنفسهم بعيشهم التشاركي السليم مع إخوان لهم في إطار المواطنيَّة البنَّاءة...
أن نؤسس لأجيالنا القادمة، بتحصين نفوسنا وأخلاقنا بالقيم الاجتماعيّة السليمة، لمواجهة الفاسدين والأشرار وزارعي الأحقاد وملفقي الأخبار والعابثين بمصالح الناس... تلك هي مهمتنا... بل رسالتنا..
فحذار العبث بإرث عظيم من قيم نشأنا عليها... لم تستطع الحروب المتكررة أن تزعزع ركائزها... ولن يبدِّلَ المارقون في ذلك شيئاً...

* أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية