لا تزال نضال الأشقر عصية على الزمن. الحماسة والعزيمة والاندفاع والحيوية وخفّة الظل سمات لا تفارقها. شغفها بالحياة عموماً والخشبة خصوصاً، يقودها باستمرار نحو مزيد من الابتكار والتجديد واكتشاف الذات. مساء اليوم، تحتفي «الجامعة اللبنانية الأميركية» بـ «سيّدة المسرح اللبناني» من خلال عرض فيلم «ورشة وخمس حكايات مع نضال الأشقر» (إخراج سابين الشمعة ــ بالتعاون مع الأشقر نفسها والمخرجة اللبنانية والأستاذة المحاضرة في LAU لينا أبيض)، على أن يتخلّل المناسبة عرض مسرحية «توليفة نضال» (إخراج عوض عوض والأكاديمي عمر سليم)، من دون أن يخلو الموعد من مفاجآت يخبّئها القائمون عليه.إنّه تكريم لامرأة استثنائية ومتمردة وعاشقة للفن والوطن والحرّية. مسيرة نضال الفنيّة الممتدة على عقود، انطلقت من منزل العائلة في قرية ديك المحدي (جبل لبنان) حيث ولدت في الأربعينيات للسياسي والقيادي في «الحزب السوري القومي الاجتماعي» أسد الأشقر (1908 ــ 1986) وزوجته الصلبة رؤوفة خوري التي دعمت رفيق دربها في مشواره النضالي. ذلك البيت المقاوم الذي شهد على أحداث مصيرية في تاريخ لبنان الحديث كان مسرح نضال الأوّل، وفيه تشرّبت القناعات والمبادئ التي تحوّلت إلى أسلوب حياة «لا يمكن المساومة عليه».
في «كلية البنات الأهلية» التي أسّستها المناضلة النسوية وداد المقدسي قرطاس، شعرت نضال بحرية إضافية بأنّ «شخصيّتي صارت أكثر قوّة واستقلالية وانفتاحاً… تشرّبت فكرة الاستقلال أكثر وتعرّفت إلى القضية الفلسطينية»، على حدّ تعبيرها. هناك، اكتشفت شكسبير وكتبت مسرحيات جريئة وألقت الشعر. وبحلول نهاية المرحلة الثانوية، تملّكت بطلة «زنوبيا» رغبة بالمغادرة لا سيّما أنّها أدركت أنّ الفن «قدر»، فقرّرت التعبير عن نفسها بواسطته وحوّلته إلى «خيار».
سافرت إلى بريطانيا حيث التحقت بـ «الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية» (RADA) في عام 1960، تزامناً مع انقلاب القوميين الذي سُجن والدها على إثره. سنوات متلاحقة اندمجت فيها الدراسة بالاحتراف، قبل أن تعود الأشقر إلى الأرض الأم حيث سطع نجمها في عدد من الأعمال، بدءاً من «الآنسة جولي» (تعريب الراحل أنسي الحاج)، بالإضافة إلى باكورتها الإخراجية «المفتّش العام» مع رضا كبريت عن نص لغوغول. التعاونات مع روجيه عسّاف توالت، ثم أسّس الثنائي «محترف بيروت للمسرح» (1968 ــ اختير اسمه تيمّناً بتجربة «أم المسرح الحديث» جوان ليتلوود في Theatre Workshop) الذي شكّل مرحلة محورية ومفصلية في تاريخ المسرح اللبناني، ومختبراً فنياً وفكرياً وسياسياً.
في أحد مساءات عام 1969، اقتحم رجال الأمن «مسرح البيكاديللي» البيروتي، ومنعوا الجمهور من الدخول. على الرغم من المواجهة مع الرقابة، أصرّ فريق عمل «مجدلون» على مواصلة تقديم المسرحية التي تتناول العمل الفدائي في مواجهة العدوّ الإسرائيلي وتخاذل الأنظمة العربية انطلاقاً من قرية جنوبية لبنانية. توجّه الممثلون، يتقدّمهم عسّاف والأشقر، إلى مقهى الـ«هورس شو» واستأنفوا العرض. الخطاب السياسي الجريء والمقاوم والملتزم بالقضايا المحقة، لم يتوقّف بل استُكمل في مسرحيات اكتسبت شهرة واسعة، أبرزها: «كارت بلانش» (1970 ــ نص عصام محفوظ)، و«أنتيغون» (1973 ــ إخراج فؤاد نعيم الذي تزوّج نضال في السنة نفسها). نيران الحرب الأهلية أدّت بالزوجين إلى الأردن، حيث أسّست نضال فرقة «الممثلون العرب» مع المسرحي المغربي الراحل الطيب الصديقي. المحطة التالية كانت في قبرص، حيث مكثت بطلة «إضراب الحرامية» خمس سنوات مع أولادها، قبل أن تعود إلى بيروت في عام 1992 وتفتتح بعد ذلك بعامين «مسرح المدينة» الذي لا يزال رغم الصعاب والتعثّرات منصة وحضناً وملاذاً للشباب والفنون.
المسرح بالنسبة إلى نضال الأشقر «زبدة الفنون، ويجب أن يبقى فضاء مدنياً بعيداً عن الطائفية والتعصّب». ولأنّها سيّدة مجبولة بالعناد والإصرار وتحدّي المصاعب، تحضّر حالياً لعمل بعنوان «شروق» سيستغرق إنجازه حوالى عامين، ويقدّم في إحدى الدول العربية، كتبته بالتعاون مع الشاعر اللبناني عيسى مخلوف. تقول: «إنّه عبارة عن نصوص قديمة ولّفناها بأسلوب جذّاب وممتع... مغناة مع أوركسترا وتمثيل ورقص...». وهناك مشروعان آخران إلا أنّها تفضّل عدم التطرّق إليهما حالياً «ريثما تكتمل الصورة».