البرنامج يتألف من ثلاثة أعمال غاية في الجمال وسهولة المقاربة السمعية، ما يجعله في متناول الجمهور العريض
إنها سمفونية كلاسيكية، لكنها تحمل ملامح الحقبة المقبلة التي أغناها بيتهوفن بتسع تحف. ألّف هايدن هذا العمل عام 1795، قبل أن يترك هذا النوع من التأليف حتى رحيله عام 1809، تماماً مثل موزار، الذي لم يؤلف أي سمفونية في السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت رحيله عام 1791، إذ كان مشغولاً بفئات أخرى، أبرزها الأوبرا التي ختم إنجازاته فيها بعملَين، أحدهما «الناي السحري» (من نوع الـ«زينغشبيل»، أي العمل الأوبرالي الذي تتخلله حوارات محكية، بخلاف الأوبرا حيث الحوارات شبه مغنّاة) الذي وضعه في السنة التي رحل فيها، وهنا نصل إلى المحطة الثانية من البرنامج، إذ يقود أفيسيان الافتتاحية الأوركسترالية الرهيبة لتحفة موزار المنهك والمضطرب والعليل والمتجه نحو حتفه المبكر.
أما العمل الثالث والأخير في الأمسية، فهو الكونشرتو الثلاثي لبيتهوفن، وفيه تتواجه الأوركسترا وقائدها بثلاثة عازفين منفردين (بيانو، كمان وتشيلّو)، يتناوبون على المبارزة في ما بينهم ومع الأوركسترا. إنه عمل غاية في السلاسة (وسهل التنفيذ لناحية المكتوب للبيانو خصوصاً)، وضعه بيتهوفن بعد خروجه سالماً من دوامة الاكتئاب واليأس التي كادت تودي بحياته انتحاراً، بعدما بلغ في آلية الإقدام على خياره الأسود إلى كتابة وصيته الأخيرة (بسبب فقدانه حاسّة السمع). نحن في عام 1803 أي المرحلة الثانية من مسيرة بيتهوفن. مرحلة اتسمت بغزارة تأليف التحف التي خلّدته لاحقاً، وبالثورة على القيود الموسيقية والاجتماعية، في الوقت الذي كان فيه نابوليون يعبّر عن طموحات بيتهوفن، قبل الخيبة السريعة التي سببها إعلان القائد الفرنسي نفسه إمبراطوراً في السنة التالية. الكونشرتو الثلاثي وهو الوحيد في ريبرتوار المؤلف الألماني الذي يجمع أكثر من آلة بالأوركسترا، وقدّ سجّله معظم الكبار في القرن العشرين، من ريختر وروستروبوفيتش وأويستراخ بقيادة كارايان إلى أندا وشنايدرهان وفورنييه بقيادة فريكشاي، إلى التسجيلات الأحدث التي لم تتخطّ إنجازات وحوش الأداء هؤلاء.
* 22 شباط ـــ س: 20:30 ـــ كنيسة مار يوسف للآباء اليسوعيين» (مونو ـــ الأشرفية) ـــ www.conservatory.gov.lb