في سيرته المصوّرة التي صدرت في نسختها العربية أخيراً، بعنوان «هيرمان هيسه: سيرة مصوّرة» (دار فواصل، ترجمة ثائر ديب)، نتعرّف إلى الجانب الآخر من حياة صاحب «لعبة الكريات الزجاجية» (1877-1962) عبر 220 وثيقة مصوّرة اكتُشفت بعد رحيله. يتجاوز ثراء هذا الكتاب بعده البصري نحو السيرة القلمية التي كتبها هيسه بنفسه، وإذا بنا حيال شخصية استثنائية عاشت تقلّبات مختلفة، وخبرت مواقف شاقة إلى درجة أن فكّر صاحب «سد هارتا» بالانتحار، في صباه المبكر. هبوب ريح الحرب العالمية الأولى وضعه في أتون حرب مع ذاته القلقة، فهجر كتابة الشعر، ونشر كتابه الأول «تحت العجلات» (1906). كما أسس دار نشر لسجناء الحرب، قبل أن يتفرّغ نحو عشر سنوات لكتابة تحفته الروائية «لعبة الكريات الزجاجية». يقول: «لقد وجدت أن شهوة الحرب والقتل منعكسة في نفسي». على أن هذا الروائي الألماني/ السويسري الفذّ، سيلتفت نحو الضفة الأخرى من العالم بقراءة الحكم الهندية والصينية والتي ستقوده لاحقاً إلى السفر نحو الهند، ثمّ التعلّق بألعاب السحر الصيني، وسجنه بتهمة إغواء شابة عن طريق السحر. في السجن، سيكتشف شغف الرسم، وأهمية العزلة في تأمل الطبيعة ومقاربتها في مزج الألوان. نقلّب هذه الوثائق النادرة، فنقع على بعض مسودات مخطوطاته، والصفحات الأولى منها مكتوبة بخط يده، بالإضافة إلى اسكتشات شخصية له رسمها بعض مجايليه من الرسامين وفي مقدمتهم غونتر بومر. وتوثق الصور الفوتوغرافية أبرز محطات حياته، والأمكنة التي زارها، والشخصيات الثقافية التي ربطته بهم علاقات متينة.يقول عن فترة سجنه وهو في السبعين من عمره: «كنتُ يومياً أُقتاد تحت الحراسة إلى غرف غير متجانسة، حيث كان يجلس وسط كومة من الأوراق، رجال قساة يستجوبونني ويرفضون تصديقي، ينبحون في وجهي، يهددوني، مرّة كطفل في الثالثة، ومرّة كمجرم فظ». ويضيف: «كان عليّ منذ زمن طويل، أن أختنق، وأجفُّ في جحيم هذه الأوراق»