منذ استئناف نشاطاته الموسيقية الحيّة لموسم 2018/2019، خصّص «المعهد العالي للموسيقى في لبنان» (الكونسرفتوار) عدداً من الأمسيات لبلد واحد معيّن، إن على مستوى البرنامج (كلياً أو جزئياً) أو لناحية الضيوف المشاركين. هكذا انطلق الموسم بأمسية ذات نكهة صينية، أضاءت على بعض المؤلفين الصينيين، بمشاركة مواطنهم، جي يوان، عزفاً على البيانو إلى جانب «الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية». تلتها، نهاية الشهر الماضي، أمسية يابانية في «المعهد العالي للأعمال» بالتعاون مع سفارة اليابان في لبنان.اليوم تنتظر محبّي الكلاسيك الغربي أمسية استثنائية جداً، بالأخص لمن يرغب في توسيع ثقافته الموسيقية لتشمل أسماء وأعمالاً من خارج الريبرتوار المكرَّس ومؤلفيه الفائقي الشهرة. هوية الأمسية بولونية بامتياز، أولاً، في ما خص البرنامج (والمؤلفين)، ثانياً، في ما خصّ الضيوف الموسيقيين المدعوّين للانضمام إلى «الفلهارمونية اللبنانية»، وهم البولوني زبيغنييف غراكا لقيادة الأوركسترا، والسوبرانو اللبنانية، المقيمة في بولونيا، نادين نصّار التي تشارك غناءً في جزءٍ من الأمسية. البرنامج مقسّم لأوركسترالي ولغنائي بمرافقة أوركسترالية، ويتمحور حصراً حول مؤلفين بولونيين هم (بالترتيب الزمني): أولاً، ستانيسواف مونيوشكو (1819 — 1872) وهو مؤلف من العصر الرومنطيقي، لم يتمتّع بشهرة كبيرة في عصره بفعل العمالقة الجرمانيين الذين حجبت ظلالهم العشرات من معاصريهم. ثانياً، كارول شيمانوفسكي (1882 — 1937) وهو الأكثر شهرة بين مواطنيه في النصف الأول من القرن العشرين قبل بروز الجيل الذي تلاه ووضع بولونيا بين الدول الأبرز في هذا المجال بعد الحرب العالمية الثانية (بنديرتسكي، لوتوساوسكي، غورتسكي،…). إنه بالمناسبة المؤلف الأكثر تسجيلاً وأداءً حياً (بمعنى أن هناك اهتماماً بأعماله من قِبَل الموسيقيين) بين زملائه في الأمسية المرتقبة. ثالثاً، فُويْجك كيلار (1932 — 2013) الذي كتب عشرات الأعمال من معظم الفئات، غير أنه مدينٌ بشهرته العالمية للسينما، إذ كتب الموسيقى التصويرية لعدد كبير من الأفلام البولونية والأوروبية والأميركية، وهو من الأشهر في هذا الحقل في بولونيا، بعد زبيغنييف برايسنر (واضع موسيقى أفلام العملاق كيشلوفسكي). لا يمكن التكهّن بالبرنامج انطلاقاً من ريبرتوار هذا الثلاثي والتركيبة التي أمامنا (أوركسترا فلهارمونية وسوبرانو)، وهذا ليس مهماً على الإطلاق، بما أن الجمهور سيكون أمام أمسية «جديدة» من نوعها على السمع، مهما كانت الأعمال المدرجة فيها.
إلى ثلاثي المؤلفين البولونيين، ينضمّ مواطنهم زبيغنييف غراكا، وهو قائد مغمور دُعي خصّيصاً لقيادة الأوركسترا في هذه الأمسية. وصفه بالـ«مغمور»، في هذه الأمسية بالذات، لا يعني شيئاً (سلبياً)، إذ قد يقود هكذا ريبرتوار أفضل من قادة الصف الأول في العالم، لأنه «ريبرتواره» إذا جاز التعبير. أما السوبرانو نادين نصّار فهي من أبرز الأصوات الأوبرالية من أصل لبناني، وقد سبق أن قدّمت عدة أمسيات في بيروت، غير أنها تقيم اليوم في بولونيا لما في ذلك من ضرورة لخبرتها ومسيرتها عموماً، بفعل المناخ الأكاديمي والجماهيري الحاضن لموهبتها ومهنتها هناك، مقارنةً بلبنان.

* نادين نصار و«الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية»: 20:30 مساء اليوم ـــ كنيسة القديس يوسف (الأشرفية / مونو). الدعوة عامة