يشهد المعرض المقام في «فندق صوفر الكبير» منذ منتصف أيلول (يستمر لغاية 14 تشرين الأول)، إقبالاً كثيفاً. 40 لوحة رسمها الفنان البريطاني توم يونغ لأيام العز الغابرة طوال 83 عاماً، منذ تشييده عام 1892 إلى أن افترسته الحرب الأهلية. «أنت العروس؟». تساءلت زائرة بدهشة عندما علمت بأن السيدة التي تتجول في المعرض، هي نفسها العروس بطلة إحدى اللوحات التي أحيا بها يونغ بعضاً من المجد الزائل. في 10 أيلول من عام 1965، شهدت إحدى قاعات الفندق زفاف سميرة البيروتية على ابن بلدة صوفر، الطبيب يوسف الصايغ. من الطبقة العلوية حيث أجنحة النوم، ترجلت مع عريسها على الدرج الدائري الضخم.

توقفت عند وسطه تنظر إلى المدعوين من أقارب وأصدقاء. ابتسامتها التي التقطتها الكاميرا في تلك اللحظة، صارت رمزاً استُخدم في المراجع التي وثقت تاريخ الفندق ومظاهر البهجة واللهو والحفلات فيه، المرتبطة بالبورجوازيين حصراً. يونغ أعاد رسم الصورة في لوحة. لكن سميرة هي الوحيدة التي لا تزال حية من أبطال اللوحات الأخرى التي توزعت بين أقسام الطبقة الأرضية، بشراً أو حجراً أو مقتنيات، باستثناء طاولة لعب القمار. بعض عتبات الدرج الدائري تهدمت، فبقي أوله وآخره معلقين في الهواء. الأثاث والتحف والثريات الضخمة وزخرفة السقوف والجدران سُرقت أو أكلها التخريب عندما تحول الفندق إلى مركز للجيش السوري ثم موقع للعدو الإسرائيلي أثناء اجتياح الجبل. الصخب وزحمة الزوار والزبائن والأضواء صارت طيفاً وذكرى في لوحات يونغ. عمر الشريف أمام طاولة البوكر وشدو أسمهان وفريد الأطرش وصباح وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وتمايل سامية جمال وأمين الريحاني الذي وصفه في كتاب «القصر المنيف» الذي منع من الدخول إليه لأنه لم يكن يرتدي بدلة وربطة عنق سوداوين. في الصالة الرئيسية، لوحة ضخمة لسكة قطار بيروت – دمشق، الذي كان يتوقف في محطة عين صوفر التي شيدت قبالة الفندق بعد عامين كرمى لنفوذ وعلاقات آل سرسق. إحدى اللوحات أعادت تجسيد صورة نشرت في وكالة الصحافة الفرنسية عام 1947، تظهر لقاء جمع رئيس الحكومة رياض الصلح والرئيس السوري شكري القوتلي ومفتي القدس أمين الحسيني والمبعوث البريطاني الجنرال كلايتون ضمن اجتماعات اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية المخصصة لمناقشة قضية فلسطين. في زاوية جانبية، يصدح صوت أم كلثوم حول لوحتها. في المطبخ، وقفت ثلاجة متهالكة منزوعة الأبواب وجمعت فوق بعضها ما بقي من كراس وطاولات عُلقت فوقها لوحة ضخمة لزحمة عمال المطبخ. في زاوية أخرى، وعرض البيانو الذي كان جزءاً من البهو الفاره، لكن لم يبق منه سوى هيكل متصدع سرقت بعض خشباته مثلما سرقت لوحة مفاتيحه. فوق أحد الجدران، بطاقة وصول ومغادرة زبائن الفندق التي كانت تستفسر عن العمر والمهنة والجنسية والوجهة التي أتوا منها. وبين هذا وذاك، يسمع زائرو المعرض صوت إيفون سريق (93 عاماً)، ابنة أحد مالكي الفندق ألفرد سرسق تتحدث عن ذكرياتها.


تشير خبيرة المعارض نور حيدر التي شاركت في تصميم معرض صوفر بأن يونغ زار الفندق للمرة الأولى عام 2012 بمعية مواطنه رودريك كوكلين، نجل إيفون وأحد الورثة. انطلاقاً من تجاربه البيروتية السابقة في إحياء الأماكن ذات القيم التاريخية، اتفق مع كوكلين على تحويل الذاكرة الجماعية المرتبطة بصوفر إلى لوحات. بحث عما بقي من صور وروايات تتعلق به في أرشيف جريدة النهار ومجموعة سرسق والمنظمة العربية للصور والمصورين إدي شويري وسامي طوبيا. طوال العام الفائت، عكف يونغ على تمضية ساعات في القصر المنيف لرسم لوحاته.
استقطب المعرض آلاف الزوار منهم من عمل ولعب ورقص ونام هنا. جاء يوسف غانم الذي شغل منصب مدير الفندق وموظف الاستقبال سامي خوري حاملاً ذكرياته، منها أنه وزملاءه كانوا ممنوعين من دخول حانة الشرب. فكان يتفرج إلى الساهرين من نافذة صغيرة. أما تيريز الهبر، فوجدت والدها الطباخ جزءاً من لوحة لصالة الطعام. كما جاء زوار كانوا أطفالاً ممنوعين من دخول الصالات داخل الفندق، بل خصص لهم مساحة للعب وملاعب لكرة المضرب. حيدر وزميلها مصمم الإنتاج طارق مراد، يوثقون شهاداتهم بالصوت والصورة في إطار مهمة إعادة تجميع لوحة القصر المنيف.

* معرض «أوتيل صوفر الكبير»: حتى 14 تشرين الأول (أكتوبر) ــــ 81/369250