مع اندلاع الأزمة السورية، شنّت الإعلامية فاديا جبريل حملة عبر مجلّتها «جهينة» وموقعها الإلكتروني «جهينة نيوز» على نماذج سورية اعتقدت أنّها تصطاد في الماء العكر. حينها، وُجّهت بعض أصابع اللوم للصحافية على اعتبار أنّها تبالغ في الاتهام، وربّما تورّط منبرها في أخبار مفبركة. على العموم، لم تمض من الحرب على سوريا سوى بضعة أشهر، حتى تساقطت بعض تلك الشخصيات التي ناهضتها جبريل بمقالاتها، وراحت تنسدل الأقنعة عن وجوهها الحقيقية، وتغرق في بحر من رمال الهيئات والمجالس والائتلافات التي حرّضت على التدخل الخارجي، واستجدت حلف «شمال الأطلسي» لشن عدوان على سوريا، وهللت للضربات الأميركية المتلاحقة. في ما بعد، دفعت جبريل ثمناً باهظاً لموقفها عندما سقط زوجها الشهيد فراس الصافي بنيران الغدر الإرهابية على طريق مطار دمشق الدولي «بتهمة» أنّه يعمل كابتن طيّار مدني، وكان يشغل منصب «رئيس نقابة الطيارين» في دمشق! توقفت المجلة وتراجع نشاط الموقع الإلكتروني لشهور عدّة، إلى أن تمالكت صاحبته قوّتها وصار بإمكانها التحرّك الحذر، طالما أنّها كانت تلاحقها تهديدات جدية بالتصفية. لكنّها عادت إلى نشاطها معتدة بتحديات منبرها واستمراريته! وأخيراً، قررت جبريل أن تنحاز نحو صناعة السينما من خلال سلسلة أفلام قصيرة تنتجها مؤسستها الصحافية، وتلامس فيها معطيات الحرب السورية وما سيتبعها من أزمات لا تقلّ خطورة عن معمعة الحرب وألسنة اللهب. أوّل تلك الأفلام، كان بعنوان «كفى» (روائي قصير قدّم في عرض خاص في «درا الأوبرا السورية» تأليف فاديا جبريل، إخراج فادي سليم) الذي يجابه ببضع دقائق مرحلة تساقط القذائف على دمشق، ويلاحق بصرياً بالتوليف مع الموسيقى، وبطريقة تخلو تماماً من الحوار أو الكلام مصائر شخصيات تسكن الشام، ويتمكلها الجزع من الموت المحتمل، ثم يلتقط الفيلم ردّات فعل الناجين من الموت، وهم يسمعون صفير القذيفة، ويتركون مخيلتّهم تسرح بتواتر عال عن المصير الأسود الذي ينتظر رفاقهم أو أحبّتهم! كأن نرصد حالة أم وهي تشاهد القذيفة تلتهم مدرسة ابنها قبل أن تصل إليها ببضع خطوات! من جانب آخر، تُفصح رئيسة تحرير «جهينة» أنّها في صدد التحضير لفيلمها الثاني الذي كتب نصّه بنفسها، وسيتصدّى للحديث بشكل رشيق ومكثّف عن بطولات رجال الإطفاء في سوريا الذين قضوا أعمارهم في تطويق كوارث الناس ولو دفعوا حيواتهم ثمناً لذلك، وقد وصل منسوب التضيحة لديهم إلى ذروة مستوياته بعد اندلاع نيران الحرب، من دون أن يتذكّر أحد الإضاءة على سيل مجهوداتهم. هكذا، ظلّوا بمثابة جنود مجهولين يتربصون بأعمدة البلاد، ويحرسونها برموش عيونهم من دون أن يلفحهم ضوء الشهرة ولو مرّة واحدة. وفقاً لكل ذلك، سيكون الجمهور السوري على موعد بعد فترة وجيزة مع فيلم قصير يواكب عطاءاتهم بمنطق درامي مختزل وبتوقيع رئيسة تحرير «جهينة» ككاتبة ومنتجة.