إنها «مقاومة» ثقافية من نوعٍ خاص، تلك التي يخوضها مدير «مهرجان وادي الحجير» المهندس محمد كوثراني. الرجل عمل طويلاً كمدير لـ«رسالات»؛ تلك المؤسسة التي أنتجت العديد من الأعمال المقاومة، وتركت الأثر الكبير في تقديم المقاومة بصورةٍ جميلة، فقدمت فيلم «أهل الوفا»، ومجموعة «قلم رصاص» القصصية، فضلاً عن العديد من المهرجانات الفنية والثقافية التي عززت ثقافة المقاومة الفنية.«لا يزال «مهرجان وادي الحجير» في مرحلة الاختبار» يخبرنا كوثراني بدايةً، فالمكان يعتبر «محميةً طبيعية تحميها القوانين في لبنان، بعدما سُجّل كمحمية طبيعية واعترف بها رسمياً في عام 2010 عبر مرسومٍ صادرٍ عن مجلس النواب. هنا يوجود تنوع إيكولوجي» يفاجئنا كوثراني ببحثه عن تفاصيل المكان الذي يرغب في إقامة مهرجانه فيه. يوضح: «يأتي وادي الحجير في منطقة وسطية في جبل عامل. تاريخياً، كان يشكل نقطة رئيسة في الحراك العلمي والسياسي والعسكري. هناك حركة علمية لم تكن عادية في القرون الماضية، ووادي الحجير شكل مفتاحاً لهذه الحركة. لاحقاً، شكل مفتاحاً للحركة السياسية. إنها منطقة غنية جداً بالتاريخ كما هي غنية بالجغرافيا». ألهذا السبب إذاً تم اختيارها؟ يغوص عميقاً في الجواب: «الحجير كانت مسرح عمليات غير عادي للمقاومة منذ عام 1920 وفيها 2000 شهيد منذ بدايات المقاومات، بدءاً من صادق حمزة وأدهم خنجر وبعدهم السيد موسى الصدر، وصولاً إلى المقاومة اليوم. هي ممر إلزامي للإسرائيلي في أي دخول له إلى لبنان. لذلك اختيار وادي الحجير هو بسبب غناه بالبيئة والتاريخ والمقاومة والجهاد».
ماذا عن مفهوم إلغاء الصمت؟ يشرح لنا: «قلنا نريد أن نقوم بحدث غير صامت في وادي الحجير. فكل أحداثه صامتة. العمليات التي كانت تحدث كانت في الخفاء، وبصمت. حتى «مهرجان وادي الحجير» الشهير الذي عقد هنا في عشرينيات القرن الماضي، حدث بصمت وفي الخفاء بعيداً عن عيون الفرنسيين وأعوانهم. لاحقاً، أتت المقاومة الفلسطينية، ثم اللبنانية، ثم الإسلامية وكلّ عملياتها كانت تتسم بالصمت وعدم الظهور. باختصار، كان ضرورياً أن يكون نشاطنا صداحاً».
هل هذا المهرجان هو تكملة للمهرجانات السابقة التي أقيمت لتقديم «مقاومة» ثقافية من نوعٍ ما؟ يشرح كوثراني عن هذه الأنشطة التي بدأت مع مهرجانات مليتا عام 2005 ليتبعها لاحقاً أول مهرجان في وادي الحجير: «في البداية أقمنا مهرجان «بعض حكاية» (في مليتا)، حيث أحضرنا أوركسترا كشافة الإمام المهدي لتقديم نشاط عزفي. لكننا في الوقت عينه، قدمنا إنشاداً تقليدياً معروفاً، فحضر المنشدان سلمان المولى وحسين زعيتر في الليالي اللاحقة. نجاح المهرجان جعل التجربة تتكرر لاحقاً في مليتا. أما في وادي الحجير، فقد أحضرنا في السابق عملاً أوركسترالياً هو «شمس الحرية»، وفرقة ايرانية اسمها «سر الماء» متخصصة بالموسيقى التقليدية الايرانية، قدمت عدداً من المقطوعات وقصائد حافظ الشيرازي وفريد الدين العطار والقصائد الفلسفية. لاحقاً، أقمنا أمسية للعازف على البيانو مهتدي الحاج الذي قدّم معزوفاتٍ رائعة من Hungarian rhapsodies. كذلك أقمنا أمسية للعازف على الكمان الفلسطيني ماهر سلامة (ابن شقيقة العازف المعروف جهاد عقل)، الذي قدّم موسيقى «زهرة المدائن» بطريقة رائعة سحرت الناس وقتها».
مسرحية «الحجير إن حكى» يشارك فيها الممثل اللبناني القدير حسام الصباح


لكن ماذا عن دورة هذا العام من «مهرجان وادي الحجير» التي تنطلق اليوم؟ «هذه السنة، سيكون المهرجان برعاية فخامة رئيس الجمهورية الرئيس ميشال عون، وستكون لدينا ثلاث أمسيات تمتد على ثلاثة أسابيع. الليلة الأولى افتتاحية بعنوان «وسوسة الذهب» (اليوم) وهي عبارة عن مزج أوركسترالي على عادة المهرجان في تقديم موسيقى مماثلة. أحضرنا فرقتين من موسيقى الجيش اللبناني، إحداهما تعزف النحاسيات، فيما الأخرى تعزف على «القربة» (الجربة). كذلك، تشارك فرقة تعزف وتريات من المعهد العالي للموسيقى (الكونسرفتوار)، إلى جانب فرقة تعزف على الآلات الخشبية من كشافة الإمام المهدي. وبالتأكيد هناك كورال مهم معها. كل هذه الأوركسترا سيقودها علي حسن الأستاذ المعروف في المعهد الوطني». طبعاً هنا يُطرح السؤال المهم: لماذا هذه التسمية؟ وماذا يعني «وسوسة الذهب»؟ يضحك كوثراني قبل أن يجيب: «الوسوسة هي صوت الذهب، كما أنّ الوسوسة في المعتاد ليست شيئاً سيئاً، الموسوس هو السيئ. لذلك كُنيت الوسوسة بالسوء». نطرح الأسئلة التي قد يراها بعضهم إشكالية: هل هناك إناث ضمن الكورال مثلاً؟ «نأمل في السنة القادمة أن تكون هناك مشاركة نسائية. لا مشكلة في صوت المرأة بل نوع الغناء» يجيب بتحديد وبدقة. أما الليلة الثانية (11 آب/ أغسطس)، فتحمل عنوان «عتبات»، وهي عبارة عن أمسية «موسيقية وجدانية، تتجه لناحية النشيد الديني المعاصر». في هذه الأمسية، يحضر المؤدي الموهوب مهدي كلاس كمؤلف للمرة الأولى، إذ يعيد كتابة مقطوعات معروفة محلياً مثل أغنية المقدمة لمسلسل «غريب طوس». يوضح كوثراني: «مهدي سيغني ويعزف، كما أنّ هناك فرقة متمكنة ستعزف وتسانده، ويمكن تصنيف النشاط كنشاط فني إسلامي حداثوي مشابه لتجربة محمد أصفهاني في إيران وسامي يوسف».
أما الأمسية الثالثة (18 آب)، فتسجّل مقاربة جديدة في عالم المهرجان، بدخوله عالم المسرح عبر نصّ كتبه حسن عبدالساتر بعنوان «الحجير إن حكى». المسرحية التي يشارك فيها الممثل اللبناني القدير حسام الصباح بصوت الراوي، تقدم أربع مشاهدات، تدور كل واحدة منها في زمن: «الأولى في زمن السيد عبدالحسين شرف الدين، الثانية في زمن السيد المغيب موسى الصدر، فيما تتسع الثالثة والرابعة ونتركها مفاجأة» يوضح كوثراني. يتولى المسرحية محمد خميس، وهو مخرج واعد يقدّم هنا تجربته الأولى في عمل بهذا الحجم.
يتفاءل كوثراني كثيراً، خصوصاً مع إسراره لـ «الأخبار» بأنَّ لجنة المهرجان كما الأخير سيتحولان إلى مؤسسة، وهذا من شأنه أن يضع المهرجان على خارطة المهرجانات المحلية والدولية لبنانياً، عربياً، وعالمياً. «إنه أول مهرجان مقاوم مكتمل العناصر فنياً، يعتمد على العناصر المحلية بشكلٍ كلي، فنحنُ في النهاية نركز على اكتشاف الطاقات المحلية، وإعطائها مساحة كبيرة، وهذا ما سنستمر به لاحقاً».

* «مهرجان وادي الحجير»: من 3 حتى 18 آب (أغسطس) ــ للاستعلام: 03/797548