كان المخرج السينمائي السوري جود سعيد (1980) يتهيأ للمشاركة في مهرجان السينما العربية في باريس الذي يستضيفه «معهد العالم العربي» هذه الأيام، بعد غياب 12 عاماً، في فيلمه «رجل وثلاثة أيام»، لكن رسالة متأخرة وصلته فجأة تعلمه باعتذار إدارة المهرجان عن عرض الشريط، نتيجة تعرّضها لضغوط كبيرة قام بها سينمائيون سوريون معارضون، بذريعة أن الفيلم من إنتاج «المؤسسة العامة للسينما»، وهي جهة سورية رسمية يموّلها «النظام». هذه اليافطة الثورية وضعت أكثر من فيلم سوري في دائرة المنع والإقصاء والتخوين، فقد سبق ومُنع فيلم آخر للمخرج هو «صديقي الأخير» في «مهرجان دبي السينمائي»، وفيلم «العاشق» لعبد اللطيف عبد الحميد في «مهرجان القاهرة السينمائي»، إلى درجة أن هدّد هؤلاء الثوريون بإحراق الصالة في حال عرض الفيلم! «منع» و«حرق» مفردتان مستعارتان من معجم التكفيريين، والرقابات الرسمية، تسللتا إلى جنّة الربيع الأسود من دون مخاضات عسيرة، كأن إقصاء فيلم، بدلاً من تشريح محتواه ومناقشته، فعل ثوري بامتياز. هكذا لجأ هؤلاء إلى مدير المعهد جاك لانغ، ثم إلى مسؤول العلاقات الدولية في المعهد، مدججين بصورة للمخرج وهو يرتدي البزّة العسكرية كدليل دامغ على إدانته، ليتبيّن لاحقاً أن الصورة مستلّة من مشهد أداه جود سعيد في فيلمه «بانتظار الخريف». ورغم ذلك، سُحب الفيلم من العرض، وبقي بيان معلومات الفيلم، في إحدى صفحات كاتالوغ المهرجان كإشارة صريحة على الطعنة المتأخرة. وفي استراحة طارئة من تصوير فيلمه الجديد «نجمة الصبح»، وجّه جود سعيد رسالة قصيرة إلى جاك لانغ، جاء فيها: «أكتب لكم، في اليوم الذي كان مفترضاً أن يُعرض فيه فيلمي، لأقول لكم بأن الحرية ليست أعطية، تُمنح لسينمائي، وتُمنع عن سينمائي آخر، أقصد حرية التعبير. درستُ السينما في بلادكم، وتعلّمت فيها معنى الحرية الراقية، وسأذكّركم بأن «ممنوع المنع» كان أحد شعارات ثورة الطلبة 1968 التي أظن أنكم كنتم أحد الذين شاركوا بها ودافعوا عن شعاراتها». ولكن هل مهنة المخبر السينمائي، تمنح صاحبها مصداقية لسينماه؟ أم علينا أن نتذكّر الدفاع الشرس لهؤلاء أنفسهم عن فيلم «ريح السد» للتونسي نوري بوزيد الذي مُنع رقابياً، في إحدى دورات «مهرجان دمشق السينمائي»، مطالبين بعرضه، رغم تمويله من جهة إسرائيلية، ودائماً تحت شعار حرية التعبير!