رسمت شخصيّة جوسلين صعب (1948) الصحافية، ملامح أفلامها. تخطّت الحدود المغلقة وحطمّت العديد من الحواجز الاجتماعية والسياسية. نزلت من الوسط البورجوازي الفرنكفوني اللبناني الى الشارع والمخيمات الفلسطينية وميادين الحروب. جرأتها ليست وليدة الحرب الأهلية فقط، هي ممارسة بدأتها مذ عملها في الإذاعة اللبنانية، وتسببت في إيقاف برنامجها الموسيقي «عيون المارسوبيلامي زرقاء» بعد خروجها عن فقراته التقليدية، أو عن المحظور الاجتماعي في الإذاعة. كانت أولى مراسلات الحرب العربيّات، من بين ثلاث نساء، اقتربن من الجبهة لتغطية حرب أكتوبر عام 1973. في العام ذاته، ذهبت الى ليبيا، لتغطية مسيرة معمّر القذافي الخضراء، حين أراد صنع وحدة من طرف واحد مع مصر في عهد أنور السادات. حينها، انتهت رغبة القذافي بعرض وخطاب في ساحة بنغازي، وعاد الناس أدراجهم، إلّا جوسلين، التي مكثت أياماً تنتظر موافقة القذافي على إعطائها مقابلة. وافق الأخير وقضت معه أياماً إضافية في جولته في الصحراء، وصوّرت بورتريهاً عن شخصيّة العقيد الشاب حاكم ليبيا.
عام 1976، ذهبت الى مصر، تعرفت إلى يسارها، وصوّرت مع الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم على طريق الحجّ بين مصر والسعودية، فمنعت من دخول المحروسة. ظلّ المنع سارياً في مطار القاهرة إلى ما بعد عامين من اغتيال السادات، ما تسبّب في مبيتها للمرّة الأولى في حياتها في سجن المطار.
مشاكستها في مصر بلغت ذروتها حين تطرقت إلى الختان في شريطها الروائي «دنيا» عام 2005. تعرّضت وطاقم عملها للتهديد، ولحملة إعلامية شرسة ولم يعرض الفيلم.
الحرب اللبنانية التي انطلقت عام 1975، كانت لها الحصّة الكبرى في أعمال جوسلين، هي التي كانت حاضرة لتوثيقها قبل بدايتها. لم تكن على الحياد قبل اندلاع أحداثها، فموقفها كان مؤيداً للقضية الفلسطينية ولنضال الأحزاب اليسارية آنذاك. الحرب شهدت بدايات تجربتها السينمائية. في عامها الأول، أخرجت جوسلين باكورة أعمالها التسجيلية الطويلة «لبنان في الدوامة»، تلاها «أطفال الحرب» (1976)، و«بيروت لم تعد كما كانت» (1976)، ثمّ «رسالة من بيروت» (1979) و«بيروت مدينتي» عام 1982. كانت الحال الإنسانية في الحرب، غالبة على صورة أفلامها الوثائقية.
احترق منزلها خلال الاجتياح الإسرائيلي، وصلتها رسائل تهديد، اعتدى بشير الجميّل ومسلحّوه عليها وعلى فريق صحافي فرنسي. أثناء تغطيتها لقضية صراع الحدود في الصحراء المغربية، أُطلق عليها وعلى مصوّرها النار. يومها، عبرت الحدود الى الجزائر وقابلت الرئيس هواري بومدين. صعدت على متن السفينة التي غادر فيها ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية بيروت، وأجرت معه المقابلة في عرض البحر، شاهدة على إسدال الستارة على مرحلة الكفاح الفلسطيني المسلّح في بيروت.
هذه هي جوسلين صعب، المغامِرة والمشاكسة والمتحدّية، أعمالها تدلّ على مسيرتها وشخصيتها. هي أيضاً شخصية الأنثى الرقيقة والحالمة في أعمالها الروائية بدءاً من شريطها الأول «غزل بنات 2» أو «حياة معلّقة» عام 1985 و«كان يا ما كان بيروت» 1995، و«دنيا» و«شو عمبصير» في 2009.
نالت جوسلين صعب جوائز عدة وعرضت أعمالها في مهرجانات عربية وعالمية، منذ أن باشرت بتصوير التحقيقات الصحافية المصوّرة والأعمال التسجيلية الأولى. لكن لا الجوائز ولا المهرجانات ما دفع جوسلين حينها الى حمل الكاميرا الثقيلة والجري لتوثيق الأحداث. في صحافة أو سينما جوسلين صعب، هناك دائماً قضية. قضية الجماعة أو قضية الفرد، قضية سياسية أو إنسانية. بداية جوسلين كانت مع فلسطين، مع تغطيتها أحداث «أيلول الأسود»، وتصوير النساء الفلسطينيات وتدريب الأطفال في المخيمات وقصف الطائرات الإسرائيلية للمخيم عام 1973، مع اعتراضها واعتصامها بسبب تغييب القضية الفلسطينية عن الشاشة اللبنانية. قاومت بعدستها وبمواقفها ونشاطاتها. في عام 2013، أطلقت مهرجان «المقاومة الثقافية»، وأرادت أن تجري العروض في مناطق عدة في لبنان من الشمال إلى الجنوب. كان التحدي في التوقيت يومها، إذ انطلق المهرجان أثناء الحرب في سوريا، وجولات القتال في طرابلس والتفجيرات في بيروت.

* معرض استعادي لجوسلين صعب: بدءاً من اليوم حتى 16 أيلول (سبتمبر) المقبل ــ متحف «مقام» (جبيل ــ شمال بيروت). للاستعلام: 03/197900 أو 03/271500