(من مدينة بنت جبيل إلى ملوك العرب في مناسبة نقل السفارة الأميركية إلى القدس)

يا بنتَ بنتِ جُبيلٍ عهدُنا طَابَا
وَلَمْ يَشِبْ حُبُّنَا مِنْ بعدِ ما شَابَا
مَدَدْتُ نحوكِ من سَهْلِ البقاعِ يدي
فشَرَّعَ القَدَرُ الوردِيُّ لي بَـابا
يَا بنتَ بِنتِ جُبيلٍ كم أقمتُ هُنا
وَعَانَقَتْني طُيورُ الشّوقِِ أَسْرَابَـا
إنَّ الوُجُوهَ التي بالقلْبِ أعرفُهَـا
ما عَوَّدَتني أرى الأحبابَ أغرابَـا
وفي القصيدةِ قلْبي جاءَ مُلْتَمِسَاً
أنْ تَمْنَحوني، على بَلْوَايَ، أَسْبَابَـا

****

يا بنْتَ بِنتِ جُبيلٍ أرضُنَا نَسَجَتْ
تَحَوَّلُوا في رِكابِ «ترامْبِ» رُكَّابَـا
على ترابكِ، صهيونٌ تحَطّـم مِنْ
وَذَاكَ يَلْهَثُ بين الموجِ قَلاَّبَـا
كانوا يظنُّون أنّ الحِقْدَ حَافِظُهُم
أو في مُواجَهَةِ البُرْكَانِ قَدْ خَابَـا
إِذَا بهمْ سَقَطُوا صرعَى، يَحُفُّ بِهِمْ
يَظُنُّهُ مِن خَـوَاءِ الرُّوح أَعْطَابَا
وهـا هُو العِزّ فيكِ اليومَ مُنْتَصِبٌ
بِأَنَّهُ وَاعِظٌ في طُهْرِهِ ذَابَـا
أَيْنَ العُروبَة، مَدُّوا فَوقَ رايَتِهَا
زِفْتَاً وَنَفْطَا وَشُذَّاذَاً وَأَعْرَابَا؟
أَيْنَ المَبَادِىءُ قَادُوهَا لِمَقْبَرَةٍ
وَفَوقها شَرِبوا الخذلاَنَ أَنْخَابَـا
والدِّينُ أَيْنَ اختفَى؟ وَٱلبُهْمُ قد جعلوا
مَعَابِدَ اللَّهِ للإعْدَامِ مِرْآبَـا
أين السُّيوفُ التي كانت سَوَاعِدُنَا
تُغْوَى بِهَا.. فانتهتْ لِلرَّقصِ أَلْعَابَـا؟
وَأَيْنَ قَامَاتُ أَبْرَارٍ مَضَوا وَبَقوا...
نبني بهم قصصاً تُرْوَى، وَأَنْصابَـا!
الدَّهْرُ مِنْ أَلْفِ عَامٍ رَاحَ يَنْدِبُنَا
حتّى غدَا جُلُّنَا، بالدَّوْرِ، نـدَّابَـا
أَمَّا هُنا، فالعيونُ النُّجْلُ حارسةٌ
قَادَتْ بِنَظْرَتِهَا قَوْسَاً وَنَشَّابَـا
هُنـَا الجنوبُ فِدَاءٌ حَوْلَهُ ٱنفَتَحَتْ
دَرْبُ السَّمَاءِ عَلى خَطَّيْنِ.. إِعْجَابَـا
وخلف ريحِ الشَّجَاعَاتِ.. الزمانُ بَدَا
يَمْشي عَلى غَضَبِ الفُرْسَانِ لَهَّابَـا
نحنُ العُروبَةُ والإِسْلامُ... نَعرفُ أَنْ
مَا غُولِبَ الحقُّ إلاَّ كَانَ غَلاَّبَـا
نحنُ الصَّبَاحُ مَضيئَاً أُمَّةً حَمَلَتْ
مِنْ رَمْلِهَا والنَّوَايَا السُّودِ أَلْقَابَـا
نَحْنُ الجبالُ التي تُخْفي بَوَاطِنُهَا
مَعَ الصَّوَاريخِ.. للتَّاريخِ كُتَّابَـا.
■ ■ ■
جيْلانِ فَوقَ عُروشِ العُرْبِ: أَقْدَمُهُمْ
مَنْ كَانَ في زَمَنِ الآلامِ وَهَّـابَا
وَكَان شِرْشُ حَيَاءٍ فيه.. يَمْنَعُهُ
مِنْ أَنْ يَكونَ لِدَعْسِ الخيلِ أَعْشَابَـا
جيلُ الشُّيوخِ على بَأْسَائِهِ حَضَرَتْ
فيهِ بَقَايَا كَرَامَاتٍ.. وما سَـابَـا
أمّا الشَّبَابُ فَإنَّ العَرْشَ عندهُمُ
أَنْ يَأخُذوا قَوْمَ إِسْرَائيل أَرْبَابَا
أَعْلاهُمُ في سُمُوِّ الشَّأْنِ مُخْتَزِلٌ
بِرَأْيِهِ عَسَسَاً خُرْسَاً... وَأَقْطَابَـا
يُعيبُهُ أنّهُ من دونِ ذاكِرَةٍ
وَإِذْ تُذكِّرُهُ يَهْجُوكَ عَيَّابَـا
يُعيبُهُ أنه ما مدَّ رَقْبَتَهُ
إلاَّ ليَعْبرَها الأمريكُ سِرْدَابَـا
يُعيبُهُ ظَنُّهُ الدُّنْيَا بِقَبْضَتِهِ
أَرْضَاً وَنَاسَاً وَأَلْوَانَاً وَأَحْزَابَـا
وَعِنْد خَيْبَتِهِ .. يستلّ صرختَهُ
مهدداً عالمَ الاحرارِ .. خَرّابَـا
وَكُلَّمَا قلتَ قوموا مِنْ أَسِرَّتِكُمْ
قالوا فكيف سَنَغْزو الكونَ ..إِنْجَابَـا؟
وَإِذْ يُصَلُّونَ يَدْعُونَ الإلَهَ إِلَـى
تَحْطيمِ إِيران... أَعْرَاقَاً وَأَنْسَابـا
يَا لِلْقَطيعِ ٱحْتَمَى بالوَحْشِ مُجْتَنِبَاً
ظِلاًّ تُفَبْرِكُهُ العيْنَانِ سِرْسَابَـا
وَالعَمُّ سَامٍ يَدٌ تُبْدي العَصَـا وَيَدٌ
يُديرُ صاحِبُهَا الأَكْوَانَ نَهَّابَـا
وَتِلْكَ إِيرانُ عقلٌ قالَ مُمْتَلِئَاً
أنَـا الذي يَطْلُبُ الأَندادَ أَصْحَابَـا
أَنَا المُقدّسُ عندي ما فُتِنْتُ بِهِ
إلاَّ لِيَصْدَحَ بَيْنَ الجُنْدِ أَهَّابَـا
عروستي القُدْسُ، قد أَعْلَنْتُ خِطْبَتَهَا
فَأَيْنَ مَنْ أُعْلنوا بالأَمْسِ خُطَّابَـا؟
وَذي فِلَسْطينُ.. فِتْيَانٌ إِذَا ضَرَبُوا
كانَ الإِلهُ وَرَاءَ اليدِّ... ضَرَّابَـا.
■ ■ ■
أعْرَابَ أُمَّتِنَـا.. ٱرتاحُوا بِمَأْمَنِكُمْ
فَخَيْرُكُمْ كَانَ عِنْدَ الصِّدقِ كَذَّابَـا
رؤوسُكُمْ لطُبُولِ السلْمِ راقصةٌ
وَمَا تَرَكْتُمْ عَلَى العَوْرَاتِ جِلْبَابَـا
أَنْ كَانَ فيكمْ بَقَايَا مِنْ مُحَمَّدِكُمْ
فٱسترجعوهُ... تِلاَوَاتٍ وَمِحْرَابَـا
وَفَكَّروا أَيْنَ يَمْضي«تْرَامْب» في دَمِكُمْ
أَلِلْعُلَى.. أَمْ لِيَغْدُو الشَّرْقُ أَسْلاَبَـا!
يبيعُكُمْ... يشتريكُمْ.. حَسْبَ «بُورصَتِهِ»
وَيَعْتَلِي مِنْبَرَ الأسْوَاقِ عَرَّابَـا
«إذا سَحَبْتُ يدي عَنْكُمْ.. أُسَقِّطُكُمْ»
يقولها الزَّائِغُ العَيْنَيْنِ ... إِرْهَـابَـا
فَيَخْتَفِي نَفَسٌ فيكمْ.. وَأَلْسِنَةٌ
وَيَنْزِلُ القَلْبُ لِلرِّجْلَيْنِ هَيَّابَـا
وَتَهْربون إلى السَّلْوى.. بِلاَ خَجَلٍ
وَتَسْتَعِيدُونَ شَيْخَ العُودِ زِرْيَابَـا
أُسْدٌ ضَوَارٍ عَلَى أَبْنَاءِ جِلْدَتِكمْ
وَتلْحَسُونَ هجومَ«ترامْب» ... أَطْيَابـا
أنتمْ ملوكٌ عَلَى غَبْرَاءَ كَالِحَةٍ
لاَ تَصْلُحُون على الخَضْرَاءِ... حُجَّابَـا!
■ ■ ■
يا بنْتَ بِنتِ جُبيلٍ.. في الخِتَامِ أَنَـا
مَا كُنْتُ يَوْمَاً بِأَمْرِ الحُبِّ مُرْتَابَـا
أَخَذْتِ قَلْبي فَأَهْلاً .. إِنَّمَا ٱنْتَبِهي
قَلْبي أَنَا عنْ هَـوى الأَخْطَارِ مَا تَابَـا!

* القصيدة أُلقيتْ في مدينة بنت جبيل في حفل توقيع الملحمة الشّعرية «موسى الصدر يُحاكِم الزّمن العربي».