بقي أميناً للحظات التي صورها مراراً من حرب الخليج، ثم سوريا عام 2012، مروراً بالحرب الأهلية اللبنانية. إلا أنّ المصوّر الإيراني التصق اسمه بالثورة الإسلامية، والحرب العراقية الإيرانية (1980 ــ 1988)، فهو صاحب أبرز الأرشيفات والوثائق عن الحقبتين. في «استوديو a+» التابع لغاليري «آرت لاب»، سنشاهد نتفاً من التاريخ على هيئة صور بالأبيض والأسود. لقطات لمحطات ومشاعر اجتاحت الشارع، وأعراس الجنود الإيرانيين العائدين من الحرب، والمساجد وأمكنة التجمعات في إيران خلال خطب الخميني.الثورة الإسلامية في إيران عام 1978، كانت لحظة حاسمة في صورة كاوه كاظمي (1952). حمل المصوّر الإيراني كاميرته لأول مرة في الثمانية والعشرين من عمره، بالتزامن مع أكبر تحوّل يشهده بلده. صوره التي تغطي تلك الفترة وأخرى خلال الحرب الإيرانية العراقية تعرض في «استوديو a+» التابع لغاليري «آرت لاب» (الجميّزة ــ بيروت) ضمن معرض «ثوّار، العقد الأوّل» (يحمل اسم الكتاب الذي صدر العام الماضي في بلده إيران). بالنسبة لمن هم في بيروت، يمكن اعتباره اللقاء الأوّل، المباشر ربّما مع صور كاظمي.
نساء يحتججن على القانون الإلزامي للحجاب في طهران (آذار، 1979)

إنها نتف من التاريخ تجيء بهيئة صور بالأبيض والأسود. بالتأكيد سبق لمعظمنا أن رأى بعضها على الإنترنت. البحث عن الثورة الإسلامية في إيران، سيؤدي حتماً إلى لقطات كاظمي من بين صور فوتوغرافيين مثل مريم زندي وعباس وآخرين ممن رافقوا الحدث حينها. ماذا تعني رؤية الصور بشكل مباشر اليوم، في وقت تتيح لنا الانترنت مشاهدتها كلّها ربّما؟ صحيح أننا اعتدنا على هذه العلاقة مع كل الفنون البصرية، وتحديداً الصورة التي غيّر ظهورها من طرق رؤية الأعمال الفنية الأخرى. بفضل الصورة، باتت هذه الأعمال متوافرة في آلاف الأماكن الأخرى غير مكانها الأصلي. لكننا ننتظر، تلقائياً، أن تقول لنا الأعمال المعلّقة على الجدار أكثر مما قالته سابقاً على الإنترنت. أن يقدّم الوقت، والطباعة بتقنيتها العالية، وتنظيم المعرض متسعاً من الرؤية. تعد صور كاوه كاظمي من أبرز الأرشيفات والوثائق عن الثورة الإسلامية في إيران، وعن الحرب العراقية الإيرانية (1980 ــ 1988). ارتبط اسمه بالفترتين، مثل مصورين آخرين ممن اقترنت أسماؤهم بالأحداث السياسية الكبرى، رغم تنوّع أعمالهم لاحقاً. نقصد اللقطات التي تدخل التاريخ قبل الحدث نفسه وتسهم في صنعه وصنع وعي الناس عنه، وتجعلها مقوّمات غامضة، غالباً، المرادف الذهني لسنوات بأكملها. مثلما هناك صورة الكساد العظيم للأم مع طفليها لدوروثيا لانج، ولقطة الأطفال العراة الهاربين خلال حرب الفييتنام لنيك أوت (منعت إدارة فيسبوك مشاركتها على الموقع قبل عامين!)، هناك صورة كاوه كاظمي للمقاتل الإيراني الذي ينتحب على جثة أخيه الممدّدة بجانبه في جرود مدينة سربل ذهاب الإيرانية. وجد كاظمي الوقت ليحدّق بالموت على جبهات الحرب العراقية الإيرانية... صورته التي حققت بعد التقاطها عام 1980، انتشاراً هائلاً. تنقل صور المعرض الملامح الرئيسية والأولى للثورة الإيرانية، وشكلها في الشارع. ملصقات الخميني ورموز الثورة.
قسم مخصص لحضور النساء في الثورة والاحتجاجات الشعبية

هناك اللقطات التي تكتنف حركية تتقفى ركض الأجساد والنيران المشتعلة. رجال وشبان يكسرون السفارة الإسرائيلية. آخرون يحرقون الكتب وممتلكات الدولة ومحتويات صالات السينما والأعلام الأميركية... لكن كل ما يحصل ليس ثابتاً بعد ولا أفق واضحاً له. الصور لا تظهر يقينية اللحظة بقدر ما تحمي ترددها. لم يكن المشهد قد استسلم تماماً للطابع الاسلامي بعد، أو أقله لم تستجب كاميرا كاظمي حينها لما كانت تمليه الأحداث عليها حرفياً. نجد هذا في قسم مخصص لمشاركة النساء في الثورة، ولأولئك اللواتي كانت الثورة تهدد حريتهن مثل شابتين معارضتين يقودهما رجلان مسلحان إلى السجن. إنهما تسيران في الاتجاه المعاكس للكاميرا، لكن ما يمنح الصورة جماليتها هو يد الفتاة الموضوعة خلف ظهرها والتي تعطي انطباعاً بأنها تقيس طول جديلتها. شابات يلوّحن بالحجاب المخلوع في طهران. صورة رأيناها تتجدد مراراً مع كل تظاهرة وحركة احتجاجية في إيران. من بين هذه اللقطات، يصنع كاظمي صوراً أيقونية بعناصر مقلّة ومتخففة من الحس التوثيقي مثل امرأة بالعباءة السوداء تشهر سلاحها بيد، وباليد الأخرى تتصدّى للكاميرا.

نساء من الباسيج يتدرّبن على استخدام أقنعة الغاز تحضيراً لأيّ هجمة كيميائية من قِبل صدام حسين (1988)

وأخرى لأربع نسوة من الباسيج يتدربن على وضع أقنعة الغاز أمام عبارة «الله أكبر» خلال الحرب. يحمي كاظمي ترميزات صوره ويكثّفها، كما حين يظهر الجزء السفلي لعباءات رجال الدين في لقطة لا تحوي رؤوسهم، وجدارية للخميني تظلل قبضة مرفوعة. يقتنع بعضهم أنه في الحروب والأحداث السريعة، تهدى الصور هداية إلى المصوّر الذي شاءت ثوان قليلة أن يتواجد هناك. إذ لا تكون له القدرة، بسبب ضيق الوقت أن يقول ما يريده أو أن يصنع اللقطة بمزاجه وحده. لهذا ربّما كان كاظمي يحاول أن يوثّق لقطاته في أماكن أخرى. على هامش لحظات الشارع الكبرى والأصوات الكثيرة التي كانت تخرج من أفواه الثورة، كان يدخل إلى المنازل، لتصوير أعراس الجنود الإيرانيين العائدين من الحرب. يدخل إلى المساجد وأمكنة التجمعات واللقاءات في إيران خلال خطب الخميني. هنا يظهر المصوّر أكثر وهو يحدّد بعناية كادراته، وإضاءته ويجد متسعاً من الوقت ليقول قصصاً هامشية جداً. في تصريح له على صدور كتابه «ثوّار، العقد الأوّل» في إيران العام الماضي، قال المصوّر الصحافي إن الرقابة حاولت أن تمنع عشرين صورة، لكنه رفض مع الناشر هذا العدد، واستطاع أن يخفضه إلى صورة واحدة. وبعيداً عن إيران التي لا يزال يصوّر يومياتها حتى الآن، أعطى كاظمي صوره التي غطت أحداث بلدان مختلفة، لعدد من الوكالات والصحف والمجلات الاجنبية. بقي أميناً للحروب التي صورها مراراً خلالها حرب الخليج، وبداية الحرب في سوريا عام 2012، والحرب الأهلية اللبنانية، فيما عمل على إنجاز ريبورتاجاته الفوتوغرافية الخاصة، وتوثيق الحياة اليومية في أرمينيا وافغانستان وقبرص وإندونيسيا وبلدان أخرى.

* معرض «ثوّار، العقد الأوّل» لكاوه كاظمي: حتى 26 أيار (مايو) ــــ «استوديو a+» (الجميّزة ــ بيروت). للاستعلام: 03/244577