الأفيون من المواد المخدرة التي تسبب هلوسات وحالات نفسية تنقلك إلى عالم آخر، جلّ ما في أزماته الوجودية التفاجؤ: بالآخر، بمحيطك، بوجودك. أي ثمن تدفع لكي تنسى وتخفف من وجعك؟ أي ثمن تدفع للحصول على لحظات لذّة تبعدك عن الأرق اليومي الممزوج بالعادة؟ ربّما ستدفع ثمن هذا الأفيون.
لكن، ماذا لو كان هذا الأفيون، كل ما تحاول التخلص منه؟ ماذا لو كنت مدمناً من دون أن تعلم، تتزوّج، تكره، ترقص، تخون، تكتب، وتصلّي... لتهرب من واقع «لا تحتمل خفته»؟
ربما، ستدفع ثمن بطاقة لحضور مسرحية بعنوان جاذب «أفيون» (إنتاج «محترف شغل بيت» ــ لمَن هم فوق الـ 18 عاماً)، التي انطلقت أخيراً في «مترو المدينة» حيث تستمر حتى 28 آذار (مارس) الحالي، ستشاهد من خلالها واقعاً عارياً، من بعيد.
كاتبة (مايا سبعلي) وامرأة متزوّجة (فرح البزري)، تلعبان تراتبياً دور امرأة متحرّرة وأخرى تقليدية. تربطهما علاقة غامضة وجريئة، تتناقشان حول علاقتهما، والعالم، والله... وتتطرّقان إلى مواضيع حميمية: ما هي الرغبة؟ ما هو الحب؟ حدود الجنس؟ لماذا ننجب؟ لماذا نعيش في حياة لا مفرّ فيها من الموت؟...
يقول المخرج شادي الهبر إنّ النص الذي كتبه جعفر العطّار صعب ومغرٍ، والأسئلة المطروحة في الحوارات تعطيه بعداً عبثياً. فالمسرحية تبدو كأنّها قطع Puzzle، كل منها واضحة ومفهومة ومرتبطة بالأخرى ضمن حبكة سنحاول اكتشافها. «كل شيء في الحياة يمكن أن ندمن عليه، فيتحوّل أفيوناً نهرب من خلاله إلى واقع جديد. المسرحية تتناول المحرمات في المجتمع، ولم أواجه أي عائق في تجسيد الأفكار المطروحة. الممثلتان متحرّرتان ومتعاونتان وتجمعهما مشاهد جريئة».
نحن أمام ديكور بسيط، ومرتّب، حيث كلّ غرض في مكانه، بغية التركيز على تفاصيل صغيرة لإيصال بعض الإيحاءات ككأس نبيذ، أو شمسية. للصمت حيّز أساسي في المسرحية، تتداخل معه مقاطع موسيقية مسجّلة على العود عزفها كنان شحود، للتذكير بالعودة إلى النقطة نفسها أو الحالة نفسها في النص.
كانت «أفيون» قصة حب وحرب: شاب وفتاة واقعان في الحب، يحاولان منع أخ الشاب من القتال مع الحزب في سوريا، بعدما توفي رفاقه كلّهم في المعارك. عرض العطّار هذا النص على عدد كبير من الممثلين الذين «أحبّوا المسرحية، مع تحفظ على الموضوع. إذ لم يكن أحد مستعدّاً للمشاركة في العمل باعتباره سياسياً قد يؤثر على مسيرته المهنية» رغم أنّ الكاتب يوضح أنّ روح النص «تندّد بالحرب بشكل عام، ولا تتخذ مواقف لطرف ضدّ آخر».
بعد هذا الرفض، قرّر الكاتب تغيير الموضوع مع الحفاظ على العنوان نفسه. فما كان منه إلا أن اتفق مع الممثلتين والمخرج قبل المباشرة بالكتابة. لهذا، أبقى على اسمَيْ الممثلتَيْن الحقيقيَيْن، وهذا ما ساعده على الاعتماد على شكليهما في العديد من المشاهد. عمل العطّار صحافياً في جريدة «السفير»، وبعد 10 سنوات في هذا المجال، انتقل إلى عالم الرواية والسينما والمسرح. هذه مسرحيّته الأولى، إلى جانب كتابه الأوّل «الإله في إجازة طويلة». في هذا السياق، يوضح أنّ «العمل في الظلمة»، أي التحرير، ساعده كثيراً في كتاباته الإبداعية اليوم. أمّا تمويل المسرحية، فهو ذاتي (أي «محترف شغل بيت»)، فيما اكتملت التحضيرات خلال شهر واحد.
يبدو شادي الهبر سعيداً بنشاط الحركة المسرحية في لبنان، رغم كونها مغامرة متعبة. يشير إلى ضعف التمويل أو الإنتاج، مؤكداً أنّه لدى الطلاب انتماء لهذا المحترف وساهموا في إنجاح العمل، فهم «هواة يعملون باحترافية عالية عند الالتزام. وهذا حال الوجه الجديد في «أفيون»، فرح البزري. إنّها خرّيجة محترف «مسرح شغل بيت» عام 2017، أي تلميذة مايا السبعلي وشادي الهبر. عن اختياره لتلميذته، يقول إنّه على المسرح «ألا يكون محصوراً بأشخاص معيّنين. العمل مع محترفين مريح، لكنّني أؤمن بالقدرات التمثيلية عند الفرد. في بداياتي لم أحظ بأي فرصة، فخلقت فرصتي. وباختياري طلّابي، أحقق جزءاً من حلمهم. طبعاً، الخيار لا يتم اعتباطياً، بل بناءً على تقييم القدرات التمثيلية للطلاب، من حضور قوي وإحساس وكاريزما. وفرح تتمتّع بكل هذه المميّزات. نحن لا نبحث عن الجميلات والنحيفات، بل عن الشخصيات المناسبة».
بدورها، تشدّد الممثلة مايا سبعلي على أفضلية التمثيل مع أفراد تعرفهم جيداً، مما يتواءم مع مبدأ الفرق المسرحية في الخارج (troupes). فكيف إذا كان هذا الشخص طالباً تعرف نقاط قوّته وضعفه، وتتبع وإيّاه النهج والمدرسة نفسيهما؟

مسرحية «أفيون»: 7 و14 و21 و28 آذار ــ الساعة التاسعة والنصف مساءً ــ «مترو المدينة» (الحمرا ــ بيروت).
للاستعلام: 76/309363