«طيور تشبهنا» للمخرج البوسني فاروق شبانوفيتش وآملا تشوهارا الذي عرض ضمن «مهرجان أجيال السينمائي» هو أول فيلم تحريك في البوسنة، من بطولة أليسا فيكاندر، وجيريمي آيرنز وجيم برودبنت وخالد عبد الله. يتمتع الفيلم بحساسية سينمائية مبتكرة استغرق العمل عليه حوالى سبع سنوات. رحلة العمل على الفيلم كانت شاقة كما يروي المخرج.
إذ بدأ مع فريق عمله من الصفر، حتى إنّهم تعلموا العمل على برامج وتقنيات التحريك فعلياً أثناء العمل على الفيلم. سينما التحريك لم تكن أولوية ــ كما يقول ــ في بلد لما يزل يتعافى من آثار الحرب. الفيلم مقتبس بأسلوب حر عن «منطق الطير» للشاعر الفارسي المتصوف فريد الدين العطار من القرن الثاني عشر الميلادي. نص لا يبدو بديهياً تصوره ضمن سينما التحريك. لكن المخرج نجح في تجسيده ضمن رؤية معاصرة، وعالم بصري متفرد في شاعريته، بالإضافة إلى طرافة وسلاسة الحوار التي تنقل معاني النص من دون أن تلقنها حرفياً للمشاهد. قصة برمزيتها، تحاكي واقع العيش في ظل الأنظمة الديكتاتورية. مجموعة من الطيور تعيش في شجرة خائفة من العالم الخارجي كما تتناقله حكاية الأجداد، إلى حد أنها نسيت أنها تستطيع الطيران. استمرارية مجتمع الطيور النباتية، مقرونة بمعاهدة تعقدها مع الطائر الكبير المهيمن الذي هو من أكلة اللحوم وبعض مرافقيه. يقضي الاتفاق بأنّه على كل أنثى من الطيور أن تتبرع بثلاث من البيضات الأربع التي تبيضها يومياً للقائد وحراسه كغذاء يومي لهم، ويسمح لها بالاحتفاظ بواحدة. في المقابل، يعفي القائد عن حياة الطيور ويسمح لها بأكل الفواكه في مقابل ما تقدمه له. أنثى واحدة من الطيور تتمرد على الواقع وترفض التخلي عن البيضة الوحيدة التي تبيضها في السنة على خلاف غيرها. إثر الصراع الذي ينشأ، تنطلق هي وزوجها مصحوبة بطيرين آخرين نحو المجهول، ذلك العالم الخارجي المرعب كما تصفه الحكايات. من هنا، يأخذنا الفيلم في رحلة بصرية آخاذة ضمن رحلة الطيور في اكتشاف ماهية هذا العالم، وماهية ما تكون عليه. للطرافة، هي تبحث عن اليابسة التي تشكل برّ الأمان، غير مدركة أنها تستطيع الطيران. عبر لوحات بصرية متبدلة باستمرار تمتزج فيها عوالم مختلفة، يرسم المخرج رؤية سوريالية عن عالمنا الحديث: أكوام السيارات أو الشمسيات تتكدس وتتدحرج وتتناثر معاً، فيما الطيور تحاول أن تصل إلى الشمس التي تصعد إليها فوق تلة من المقابر في إشارة إلى حرب البوسنة والهرسك وتاريخها الدموي. إلا أن كل ذلك التراكم يشكل طريق الخلاص بالنسبة للمخرج. خلاص تجده الطيور في بيت الشمس المضيء القابع على تلة أحزان هذا العالم. أما بالنسبة إلى رسم الشخصيات، فهو أيضاً يعبر عن رؤية خاصة في حميمية تصوير علاقة الطيور وتفاعلها مع بعضها، وكذلك في رسم الشخصيات الطريف والمعبر. أكثر ما يجسد خيال المخرج اللافت هو شخصية الوطواط الذي تلتقي به الطيور في رحلتها. وللطرافة، هو يتكلم العربية على خلافها، فتهابه في البداية، إلى أن تطمئن إليه فيما بعد. ذلك الوطواط الحكيم والطريف بلونه البنفسجي وصوته الخفيض وانسيابية حركاته، يتجسد بصورة ساحرة في الظلام، وهو يحب رائحة الشمس رغم أنّه لم يرها يوماً.