خشيته من لعبة التذكّر والنسيان، قادته إلى تدوين سيرته على عجل، متكئاً على ما قاله غابرييل غارسيا ماركيز في كتابة مذكراته «الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكّره، وكيف يتذكّره ليرويه». هكذا توقّف أسعد فضة (1938) عند أبرز محطات حياته الفنيّة في كتابه «إطلالة على الذاكرة» (الهيئة العامة السورية للكتاب).
طفولة قروية سعيدة، ونهم للدراسة، وشغف بالحياة. لن يجد القارئ المتلصص ما يبتغيه في هذه السيرة من أسرار، أو نبش لوقائع خبرها هذا الفنان المخضرم عن كثب في كواليس الحياة الفنية في سورية طوال نصف قرن مضى، هو الذي تقلّد مناصب إدارية لفترة طويلة، مثل مديرية المسارح والموسيقى، ونقابة الفنانين، ومهرجان دمشق المسرحي، والتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية. أكتفى بوقفات عجلى عند دراسته المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة (1962) أيّام الوحدة السورية المصرية، ثم فترة الانفصال، وانخراطه إثر عودته إلى دمشق، في تأسيس فرقة المسرح القومي، وتجاربه المسرحية كمخرج وممثل في عشرات الأعمال المهمة، بدءاً من «الأخوة كرامازوف/ دوستويفسكي» (1964) مروراً بأعمال أخرى مثل «عرس الدم/ لوركا»، و«المهرّج/ محمد الماغوط»، و«يوميات مجنون/ غوغول/ فواز الساجر»، و«الملك هو الملك/ سعد الله ونوس». سيبقى شغف أسعد فضة الأساسي في المسرح بوصفه مشروعاً ثقافياً وتنويرياً، قبل أن يلتفت إلى السينما في أدوار لافتة، كما في «القلعة الخامسة» لبلال صابوني، و«ليالي ابن آوى» لعبد اللطيف عبد الحميد، إضافة إلى عشرات الشخصيات في الدراما التلفزيونية مثل «عز الدين القسّام»، و«انتقام الزبّاء»، و«هجرة القلوب إلى القلوب»، و«أبو كامل». بالكاد نجد ما هو شخصي وحميمي في هذه المذكرات. حكايات حب عذرية خاطفة، العمل في ميناء اللاذقية في صباه، تعرّفه على رفيقة دربه الراحلة مها الصالح، وكيف ساعدته أمه في دفع تكاليف زواجه ببيع جزء من «زنّارها» المرصّع بالليرات الذهبية. كأن صاحب «حكاية بلا نهاية» أراد أن يؤرّخ سيرة الفن السوري أكثر من رغبته في توثيق سيرته الشخصية رغم غناها بالأحداث والتحوّلات والأسرار، لذلك لجأ إلى شهادات الآخرين بتجربته مثل أدونيس، ونبيل الحفّار، وفرحان بلبل، وأيمن زيدان، ووليد إخلاصي. بالإضافة إلى بيبلوغرافيا لأعماله، والجوائز التي حصدها خلال مسيرته. في تقديمه لهذه المذكرات يحوّر مقولة سعد الله ونوس «إننا محكومون بالأمل» إلى «محكوماً بالعمل والعمل والعمل».