في ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ في باريس، سحب وزير الثقافة حينها، فرنسوا ميتران، أعمال الكاتب لويس فردينان سيلين (البورتريه بريشة باولو غاليتو) من الاحتفالات الوطنية لعام ٢٠١١ التي تزامنت مع الذكرى الخمسين لوفاته. وسيلين يُعَدّ من أهم المجددين في الأدب الفرنسي في القرن العشرين.
هذا القرار جاء نتيجة ضغوط من قبل سيرج كلاسيرفيلد الكاتب والمؤرخ حامل الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية، مدعوماً من رئيس بلديتها حينها برنار دلانوي. السبب كان تضمُّن أعمال سيلين كتابات معادية للسامية. لن نخوض في جدل ما إذا كان القرار صائباً أو لا، مع أنه ــ للأمانة ــ تتضمّن أعمال سيلين معاداة للجنس البشري بمجمله، ابتداءً من سيلين نفسه! التذكير بهذه الحادثة هو للإضاءة على بضع نقاط:
أولاً من منع الأعمال ومن دعم هذا المنع ومن وافق عليه، هم من الأشخاص، المثقفين، المتنورين، العلمانيين وحاملي ثقافة حرية التعبير والديمقراطية . كل ذلك لم يمنعهم من تجنيد كل تلك الصفات لمنع ما يمكن أن يمسّ مباشرة أو غير مباشرة الهوية اليهودية، وتطويع وزارة الثقافة لما يعدّونه خطوطاً حمراً غير قابلة للنقاش، وطبعاً ليست وجهة نظر.

سُحبت أعمال لويس
فردينان سيلين من الاحتفالات الوطنية في فرنسا
بدعوى معاداة السامية

ثانياً، هذا يدل على أنّ المثقف الإسرائيلي لا يناور عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن «حقه»، ولا يتراجع تحت حجة الضغوط أو خوفاً من أن يُعَدّ رجعياً. أكثر من ذلك، هو يكرس لهذه القضية كل علاقاته ونفوذه.
ثالثاً، إنّ هذه القضية تدل على أنّ الفصل بين الحرية والديمقراطية من جهة، والدفاع عن الهوية اليهودية من جهة أخرى ليس موجوداً لدى الإسرائيلي.
الخلاصة: من يعتبر في لبنان أنّ مهاجمة زياد دويري وأمين معلوف هو نتيجة للتخلف والظلامية، فهو:
إما أنّه لم يفهم بعد طبيعة العدو، وهو ينجرف بسذاجة ضد كل ما يمكن أن يضعه في خانة المعادي للحرية وللديمقراطية، ويصر على أنّ العداء مع إسرائيل لا يمكن أن يكون ثقافياً عندما يمسّ هذا العداء وجه لبنان الثقافي وانتشاره في المحافل الغربية. لذلك، ننصحهم بالقراءة وأخذ الدروس من هذا العدو تحديداً، ومن محافل الثقافة الغربية نفسها.
أما السبب الثاني، فهو أنّه يعتبر أنْ لا مشكلة في تعامل مثقفين وفنانين لبنانيين مع إسرائيل، ما يعني أنه لا يعتبر هذا البلد عدواً. وهنا وجب تذكيره بالمثل الفرنسي الذي يقول:
Appeler un chat un chat أي بالعربية فلنسمِّ الأشياء بأسمائها: يا جماعة الخير، قولوها بصراحة ودون مواربة ودون ازدراء، لمن ما زال مقتنعاً بأنّه توجد قضية فلسطينية. ولا تزايدوا علينا في الثقافة ولا في حرية التعبير ولا في التمدن. كل ذلك لا يمنع أن تكون لدينا قناعات وأن نسخّر كل قدراتنا لخدمتها.
* اسم مستعار لمسؤول عربي في منظمة دولية