سيدي العزيز: فرحنا جميعاً بفوزكَ بجائزة «نوبل» للآداب هذا العام. انتظرنا طويلاً أن تحيد الجائزة مرة عن طريقها، وتُمنح لشاعر عربي، مع معرفة أعضاء الجائزة بترسُّخ الفنّ الشعريّ في الثقافة العربية، ومع ترشيحنا لكَ، سيدي، مراراً وتكراراً، وإشاحتكَ عنها وزهدكَ بها وانغمارك بكتابة الشعر وحده، وترنيمه، في غرفة معتمة، بصوتٍ أجشّ، في عزلة الوجود.
قرأتْ «نوبل»، هذه المرة، النصَّ، ولم تقرأ تعليقاتِ مقرّريها الموصولة بالشائعات والأقاويل والسياقات السياسية والأفكار المسبقة والوكلاء الفاعلين لصالح هذا وضدّ ذاك.

ستظلّ، في ضميري، شاعراً مهموماً
بالكائن والوجود


فهمتْ «نوبل» أخيراً أن الشعر يمكن أن يُحوَّل نُهيراً ضائعاً مثل بُوَيْب، إلى نهر من أنهار الميثولوجيا، وأن اسماً من جنوب العراق يمكن أن يرنّ صداه أبعد من كلّ خليج. قرأتْ جائزة «نوبل» أخيراً الشعر العميق وحده، وليس ما تتصوّره عن الشعر، وما يعتقد آخرون بحزم أنه ماهية الشعر الحقيقي. إنّها لمعجزة سيدي أن تُمنح نوبل لكم في سنواتنا العجاف هذه، بخاصة بعدما أحاط بشخصك الكريم من تصوّرات، صحيحة وواهمة، عن مواقف متناقضة وتقلبات فكرية ونزوات سياسية وما قيل عن مرضكَ العضال، وبعيداً عن كلّ شفقة، وكل حدّة صادرة منك وموجهّة ضدّكَ، وكلّ مديح عالٍ.
نحن فرحون، ونحن نعلم أنّ «نوبل» هي جائزة كغيرها من الجوائز الممنوحة في الغرب والشرق، وأن ما تَشْهَد لحظات مداولات وإعلان الجائزة من تدخلات وعلاقات عامة وخاصة لا يختلف بشيء عما يَحْدث، قبل وأثناء وبعد، توزيع جوائز عالمنا العربي، في مجال الشعر بشكل خاص.
ستظلّ، سيدي، في ضميري، شاعراً مهموماً بالكائن والوجود، حصلتَ على جائزة «نوبل» أو لم تحصدها.
*شاعر عراقي مقيم في تونس