يعدّ جان مدني أحد أنشط صنّاع الموسيقى الشباب في الوسط اللبناني. عمل عازف الباص والمؤلف الموسيقي (وصاحب الاستديو أيضاً) لفترة طويلة (قرابة 23 عاماً) مع زياد الرحباني الذي قدّمه للجمهور وهو لا يزال في المراهقة. الموسيقى هي هوايته الأولى التي جعلته ينتظر أكثر من عشر سنوات لإطلاق ألبومه «تراب»: «لم تكن هناك إمكانيات مادية، لذلك انتظرت كل هذا الوقت.
هناك صديقة عزيزة اسمها فرح نابلسي تعمل في مجال الإنتاج الفني والتلفزيوني، ساعدتني كثيراً. لولاها، لما خرج الألبوم إلى النور» يسر مدني لـ «الأخبار». لكن مدني أطلق في السابق البومات عدّة أسهم في صناعتها كمؤلف موسيقي وعازف و«صانع» حتى. رأينا ألبومه الجميل مع الفلسطينية رلى عازر «يا ليالي»، وسنشهد أيضاً عمله مع ألبوم زياد سحّاب الذي سيبصر النور قريباً، كما لا يمكن نسيان تعاونه مع الفلسطيني السوري (المقيم حالياً في فرنسا) أبو غابي في ألبومه «حجاز حرب».
يقيم مدني حفلة لإطلاق الألبوم غداً السبت في «مسرح المدينة». سيحضر موسيقيون من جميع أنحاء العالم مثل نعيم الأسمر (صوت)، أرتور ساتيان عازف البيانو الأرميني المعروف، خالد ياسين (إيقاع)، غسان البوز، زياد سحاب (عود)، رمزي رمال (غيتار)، الأرجنتيني مارتين لوياتو (ترومبيت)، فؤاد عفرا (طبول). يبلغ عددهم تسعة على المسرح، وسيغني نعيم الأسمر (نظراً إلى تواجد أبو غابي في فرنسا، ورلى عازر في فلسطين المحتلة). أما ضيف الحفلة، فهو «القدير عبود السعدي، الذي سيقدم مقطوعتين من تأليفه. أحببت أن أكرّمه لأن له فضلاً كبيراً عليّ، كما على غيري من الشباب. وقف بجواري منذ بداياتي، وعرفني إلى زياد الرحباني مثلاً، وقدمني على المسرح. لذلك كان لا بد من هذه اللفتة التكريمية لهذا الفنان والمبدع». ويكمل: «طبعاً جمع هؤلاء المبدعين على مسرح واحد، أمر معقد وصعب عادة، حيث يتواجدون في بلدان متعددة، لكنه جميل وضروري لتقديم الألبوم كما هو على حقيقته».
يتكون الألبوم من 7 مقطوعات، 4 منها تحوي مقاطع مغناة. يأتي الجو في تلك الأغنيات «صوفياً» بعض الشيء، لكن هذا لا يجعل الألبوم صوفياً بالمعنى المطلق للكلمة. يشرح مدني عن المقاطع المغنّاة: «اخترت مقاطع من قصيدة أبو فراس الحمداني «ليتك تحلو»، وقسّمتها على أربع مقطوعات حيث يغنيها 3 أشخاص: أبو غابي، رلى عازر (في تعاونه الثاني معهما)، واللبناني هشام حلاق الذي يغني «صوفي» في الأغنية الأولى في الألبوم بدون كلمات». ويوضح: «الألبوم بمجمله حزين لكن لا أريد أن أصبغه هكذا». وماذا عن التسمية «تراب»؟ يجيب: «برأيي إنّ أكثر قطعة أخذت جهداً وتعباً هي «تراب»، وهي المقطع الصوتي الأخير من القصيدة حيث تقول الكلمات: كل ما فوق التراب تراب، الكلمات معبرة كثيرة، وتصف الألبوم بشكل دقيق».

June 17 هي التجربة
الأنضج في الألبوم


Fallen هي عنوان المعزوفة الأولى (تمتد على 2:55 ثانية) حيث تبدو الموسيقى موصلة للفكرة التي يريدها مدني. يعزف مدني على الباص في واحدة من «صولوهاته» القليلة في الألبوم، إذ يؤكد «أنا لا أكتب موسيقى للباص، بل لجميع الآلآت، رغم أن الباص هو آلتي التي أعزف عليها».
تبدأ «ليتك تحلو» بالباص بسلاسة عالية، ثم تدخل الآلات شيئاً فشيئاً. هناك نوع من المشهدية في الموسيقى (يؤكد مدني هنا بأن هذه الموسيقى ستستعمل لاحقاً في كموسيقى تصويرية لمسلسلات وأفلام). عند الثانية الخمسين، نجد دخولاً لآلة الناي مع خالد طراد (المهاجر أخيراً إلى أستراليا). يعطي الناي نوعاً من حزنٍ وجودي، لتدخل بعدها بقليل رلى عازر لتضفي كلماتٍ «صوفية» على الأغنية. هنا يمكن ملاحظة إنّه لا يمكن فصل الغناء عن اللغة الموسيقية في الأغنية ذاتها.
Theme for Layal وليال هنا هي «حبيبة» جان مدني (وزوجته قريباً) وهي «من الأشخاص الذين شجّعوني واهتموا بي كثيراً. من النوادر أن أصنع موسيقى لأحدٍ أحبه». الموسيقى عاطفية للغاية، حيث في الخلفية أصوات خفيفة لآلات تبدو بعيدة. هناك آلات نفخية ووترية تستخدم بشكلٍ حميم حيث أراد مدني تقديم رسالة «حب» لكن على طريقته الخاصة.
June 17 هي المقطوعة التي أخذت الوقت الأطول في الألبوم بحسب مدني، أي قرابة عشر سنوات. تمتاز موسيقاها بالتنوع وبكونها التجربة الأنضج لمدني في الألبوم، إذ تذكرنا كثيراً بأعمال فرقة «وشم» المغربية التي تختص بالغناء الصوفي. العود فيها مرتكز وناضج، والتوليفة الموسيقية متمكنة. وقرابة الدقيقة 1:30، يترك مدني شيئاً من الارتجال الممهنج يمر على المقطوعة، ليختمها أبو غابي بمقطعه الغنائي. وفي Valenci، هناك نوع من «الحميمية». يشعر السامع بأنه يريد أن يتمسك بالأشياء التي يحبّها كما لو أنها فقدها. هذا الشعور يسيطر على المقطوعة، حتى في اللازمة الموسيقية التي تتكرر وإن بآلآلات متعددة.
«تراب» هي المقطوعة التي حمل الألبوم عنوانها. نبدأ مع الباص، لكن سرعان ما نبتعد عنه صوب آلات أخرى، حيث تغني رلى عازر المقطع الأخير من القصيدة، وبها تختتم الرسالة التي يحملها الألبوم.
Suspiro (وتعني التنفس باللغة الإسبانية)، وهي موسيقى تجريبية وآخر إضافات الألبوم. أما لماذا «يجرّب» مدني، فذلك شأنٌ آخر، «سجلتها بسرعة وأحببت أن أضيفها للألبوم. هي هلوسة موسيقية لا أكثر». يحضر في الموسيقى صوت غنوة أبو فياض في الخلفية وإن بشكلٍ بعيد، وهي ليست مغنية محترفة، بل تدرس الموسيقى كما يشير مدني.
باختصار، «تراب» هو ربما من أجمل ألبومات هذا العام، فيه عمل وحرفة موسيقية عالية، فضلاً عن أنّ «صانعه» حاول كثيراً أن يضفي كل ما تعلمه عليه.

«تراب» لجان مدني»: 20:30 مساء غد السبت ــ «مسرح المدينة» (الحمرا)