ضمن قاعة غصّت بالحضور، المتنوع اجتماعياً وعمرياً، وجندرياً في «المركز الثقافي الروسي»، وبحماسة تفاعلية عالية، لاقت الكاتبة المصرية نوال السعداوي (1931)، أول من أمس جمهورها، بدعوة من جمعية Fe-Male و«اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني»، بالتعاون مع «دار الآداب».
حضرت الكاتبة النسوية، كما عادتها، بمظهر يشبهها. توجهت الى شباب وشابات المتواجدين/ ات في القاعة، وسط كلام أثار انقسامهم، لا سيما النساء منهم. ومع ذلك، لم تبد آثار التململ عليهن، بل قابلوا خطاب السعداوي الحاد ربما، والمباشر في بعض الأحيان، بكثير من رحابة الصدر والتصفيق. ومما زاد من حيوية النقاش، سلسلة الأسئلة الموجّهة إلى خطاب السعداوي. أسئلة احتوت على نسبة كبيرة من النقد، مما جعل الكاتبة تندهش من هذه المواجهة، وترد بطريقة أعنف ربما.
صاحبة «الأنثى هي الأصل»، التي بدت عليها آثار الشيخوخة، والتعب، والنسيان في بعض الأحيان، قاومت هذا الأمر، بمزيد من إعمال الذاكرة. عادت إلى طفولتها لغاية وصولها اليوم الى عمر الـ 86 عاماً. بدأت بالحديث عن هذا التغيّر الذي حدث في التاريخ، وقلب الأمور رأساً على عقب، مع تغييب بل محو اسم الأم عن الهوية. بعدما كانت المرأة محوراً في الحضارات القديمة، لا سيما المصرية منها، تحولت بسحر ساحر من «إلهة» إلى «شيطانة»، ومن «صاحبة عقل»، إلى امرأة «بجسد دون رأس» على حد تعبير السعداوي. واقترحت لهذه الغاية إضافة اسم الأم على بطاقة الهوية الى جانب عائلة الأب، كما فعلت ابنتها الروائية منى حلمي. وذكرّت صاحبة «مذكرات في سجن النساء» بقانون أقرّ عام 2008 يسمح لطفل «غير شرعي» بأن يسجَّل على اسم امه، ويأخذ الحقوق عينها التي يحظى بها أي طفل آخر. وفتحت السعداوي موضوع تغييب الأم، مكررة ما أعلنته مراراً في كتاباتها وإطلالاتها الإعلامية. وعلى شكل أسئلة، طرحت قضايا الحجاب والتبرّج والتعرّي، وتوقفت عند الحجاب بوصفه يعبّر عن «رمز سياسي» على حد تعبيرها، ولا علاقة له لا بالجنس ولا الدين. وشددت على هذا الربط مع السياسة، فيما انتقدت التبرّج بكونه يشغل المرأة عن مسار حياتها، ويجعلها تخسر أموالها ووقتها وحتى تسحق شخصيتها بمجرد وضع هذه المساحيق على وجهها.

توقفت عند الحجاب
بوصفه «رمزاً سياسياً» وانتقدت تبرّج المرأة
وما بين الحجاب والتبرّج، خيط عند نوال السعداوي، يتمثل في الرجل... هذا الرابط الجامع بينهما، إذ توجهت إلى الجمهور، وأعادت سرد ما قالته لها إحدى النساء عن حجابها، وسبب ارتدائها له، بكونه سيحجب «الفتنة» عند الرجال. وهنا، علّقت السعداوي بالقول: «المشكلة ليست في المرأة بل في عقل الرجل». ودعت (بسخرية) كل الرجال إلى تغطية أعينهم. والأمر نفسه يسري على التبرّج الذي يجعل المرأة «عبدة» عند الرجل وفق السعداوي، إذ أنّها تحاول دائماً استرضاءه. وانتقدت ظاهرة المبالغة في المكياج خصوصاً في بيروت، وتحدثت عن هذا الشكل المنّمط الواحد، الذي سرى على كل النساء، وتساءلت بازدراء: «ما هذا الملل؟»، مع تغنّيها بتجاعيدها، التي تحكي كل واحدة منها حكاية وحقبة من عمرها.
أما عن التعرّي، فنظرة السعداوي، إلى هذا الموضوع تنطلق من التمييز الحاصل بين الرجل والمرأة. سردت هنا زيارتها إلى «معهد الفنون» في القاهرة، وتفحصها عن قرب صفوف الرسم العاري هناك، وجزمها بأنّ أحداً من الطلاب والطالبات، لم يطلب من رجل أن يتعرّى تمهيداً لرسمه.
قضايا التمييز التي عاصرتها الكاتبة منذ أن كان عمرها سبع سنوات، منذ نشأتها في بيئة تميّز بين الإخوة بناتاً وصبية. عند هذا المفترق، تفتّح وعيها الاجتماعي والسياسي والفكري. لم تبخل في سرد حياتها الخاصة، وتفاصيل ترعرعها في بيئة متنوعة طبقياً بين أم أرستقراطية، وأب فلاح فقير. لا تفصل السعداوي بين حياتها العامة والخاصة، وهي تحضّر اليوم جزءاً رابعاً من سلسلة «أوراق حياتي»، يتناول حياتها في زواجها الثالث. تنطلق من هنا، لتتحدث عن الزواج، تلك المؤسسة التي تصنّفها ضمن سلّم «العبودية»، وتردّ على أسئلة مباشرة من الجمهور. بعضها كان «دوزه» عالياً، ذهب إلى اتهام السعداوي بإعادة المنظومة الذكورية التي تحاربها، عبر تصنيفها المرأة في خانة معينة حسب ما تجده مناسباً. أكثر من ذلك، وصف أحدهم رفض الكاتبة للحجاب وللتبرج انطلاقاً من نظرة الرجل لهاتين الحالتين، بأنّها تشبه الذرائع التي تعطى للمتحرش أو المغتصب عندما يقدم على اغتصاب امرأة بأنها كانت على سبيل المثال نصف عارية، أو أثارته جنسياً. استقبلت صاحبة «الرجل والجنس» هذه المداخلات برحابة صدر، وابتسامة، لتجيب عليها برد صاعق، قائلةً بأنّ أصحابها ما زالوا خارج درجات الوعي، فإن لم تكن المرأة مدركة بحق، أنها كائن مستعبد أكانت عارية أو ضحية الفن التجاري والسوق الإعلامية والإعلانية، فإنها تفتقد إلى الوعي المطلوب. ولم تستثن نفسها هنا، من كونها سيدة لديها بعض «الزوايا المظلمة» في رأسها، في محاولة منها لامتصاص صدمة الجمهور أو استيائه.
لكن اللافت تمثّل في مقاربة هذه الطبيبة لموضوع المثلية، باعتباره قضية «غير مفهومة»، مع تأكيدها مراراً على عدم «إدانة» المثليين/ات، وصنّفت هذه المسألة ضمن «الظواهر الاجتماعية»، داعية إلى ضرورة «درسها»، وطرح سؤال: «لماذا يحدث ذلك؟». الكاتبة النسوية فنّدت طبيعة هذه العلاقات التي تتحول الى أنثوية وذكرية من خلال الجنس الواحد، وأعادت كل ما يحصل الى قاعدة التربية والتنشئة في المنزل، في أن يخرج الرجل رجلاً أو امرأة أو المرأة رجلاً وما الى ذلك. كما بشّرت بإقرار قريب لقانون مدني يتيح الزواج المختلط في مصر.
وبعيداً عن الاجتماع والجنس والمرأة، تحدثت السعداوي عن الثورة المصرية، التي «أجهضتها طبقة النخبة الانتهازية، بمساعدة المجلس العسكري، ومحاولة القوى الاستعمارية الأميركية والصهيونية اليوم تقسيم الجيش الوطني».