مدة الورشة: 10 سنوات. التكلفة: 865 مليون يورو. المساحة الإجمالية: 120 ألف متر مربّع. الارتفاع: 110 أمتار. الصالة الكبيرة: 2100 كرسي. الصالة الصغيرة: 550 كرسي. فندق من 244 غرفة. 45 شقة. سعة مواقف السيارات: 520.هذه مواصفات «فلهارمونية هامبورغ» التي ستفتتح اليوم. إن كنتم تعيشون في ألمانيا، لا تفوّتوا زيارة هذا المعلَم الجديد. إنها تحفة معمارية حديثة على أحد الموانئ القديمة الواقعة على نهر الألبه (Elbe) في هامبورغ. إنه مشروعٌ لامست تكاليفه المليار دولار أميركي حبّاً بالموسيقى.

بدأت القصة عام 2007، عندما قرّر معماريان وعاشقان للموسيقى، ألمانيان من هامبورغ، تشييد صالة حفلات على أحد موانئ مدينتهما. هكذا، طلبا من زميلَيهما السويسريَّين، الثنائي المعماري هرتسوغ ودي مورون (Herzog & de Meuron) تنفيذ المشروع الذي قُدِّرت تكاليفه بحوالي 80 مليون يورو، على أن يتم تسليمه بعد ثلاث سنوات. كانت الرؤية الأولية تميل إذاً نحو مشروع صغير قبل أن تتدخّل بلدية هامبورغ وتقترح توسيعه ليصبح كما ولد بعد عشر سنوات من العمل، لتقفز التكاليف من 77 مليون يورو إلى 865 مليون يورو (790 غطّتها الدولة والباقي قدّمته جهات خاصة)، وهو رقم ضخم مقارنةً مثلاً، بـ«فلهارمونية باريس» التي افتُتحت قبل سنة تقريباً وبلغت تكاليفها 386 مليون يورو (أي بفارق نصف مليار دولار تقريباً).
المبنى الموسيقي الهمبرغيّ الجديد يجمع، معمارياً، بين المعاصر (الشق العُلوي) وفن العمارة في الستينيات (القاعدة). واجهة الشق العُلوي مصنوعة من الزجاج (1100 لوح). الواجهة الشرقية مصممة على شكل فتحات سفينة ومزيّنة بأشكال شبيهة بأعضاء الأسماك التنفسية، للتماهي مع موقع المبنى المشيّد على ضفة نهر. من الجهة الغربية، يتماهى التصميم مع الموسيقى، حيث تأخذ شرفات الشقق الـ45 شكل ديابازون (الشوكة الرنّانة التي تحدّد ذبذبات نوتة الـ «لا» في الموسيقى). أما القاعدة، فتشبه المخازن الكبيرة التي كانت تُنشأ على الموانئ في الستينيات وقد استُخدم في تشييدها حجر الـ «بريك» (brick)، في حين يأخد التصميم الخارجي العام للمبنى شكل سفينة.
داخلياً، أهم عنصر في هكذا بناء هو الجانب المتعلّق بعلم الصوتيات (acoustics)، وقد حمل إبداع هذا الجانب توقيع مهندس الصوتيات الياباني الشهير ياسوهيسا تويوتا (1952). كذلك، يزيّن الصالة الكبرى أرغن ضخم مصنوع من 4765 أنبوب، أنجزته مؤسسة «يوهانس كلايس أورغلباو» الألمانية العريقة (1882).
الأوركسترا التي سـ «تقطن» في هذا المبنى هي الـNDR Elbphilharmonie بقيادة المايسترو الألماني توماس هنغلبروك (1958) وتصل تكلفة تشغيل هذه «السفينة» إلى نحو 12 مليون يورو سنوياً، يتولى تأمينها القطاعَين العام والخاص مناصفةً، من دون احتساب عائدات بطاقات حضور الأمسيات. بالمناسبة، عدد بطاقات الأمسيات المبرمجة للعام 2017 بلغ 45 ألفاً، وقد بيعت كلّها في غضون بضعة أيام!
إلى جانب الأوركسترا التابعة لها، ستستقبل «فلهارمونية هامبورغ» هذه السنة أهم أوركسترات العالم، بدءاً من الجرمانية الأولى (برلين وفيينا) والأوروبية (لندن وغيرها) وصولاً إلى الأميركية (شيكاغو). أما عمالقة الكلاسيك الذين أجابوا بـ «نعم» في ما خصّ إقامة أمسيات في الصرح الجديد فهم: عازفا البيانو موراي بيرايا ومارتا أرغيريتش، التينور الألماني يوناس كاوفمان، مغنّيتا الأوبرا تشيتشيليا بارتولي جويس ديدوناتو، وغيرهم.
في مقالة كتبها إثر عودته من زيارة عمل لمدينة هامبورغ عام 2009، أشاد الفنان زياد الرحباني بممالح مطاعم المدينة! تخيّلوا إذاً ما هي معايير الدقّة التي طبّقها الألمان في صناعة صرح كهذا إذا كانوا يولون اهتماماً حتى بالمملحة! أولى الإشارات التي وصلتنا في هذا السياق، أتت من أحد الصحافيين الفرنسيين الذي زاروا المبنى الذي يُفتتح اليوم. فرغم تحيّزه الطبيعي لبلده وللمبنى نقسه (من حيث الوظيفة) الذي أنشئ في باريس قبل سنة، لم يستطع الرجل عدم الإشارة إلى الدقة المذهلة في تنفيذ أصغر التفاصيل في التحفة الألمانية. علماً بأنه استند تحديداً إلى «فلهارمونية باريس» للمقارنة!