حين سُئِل توماس أوسترماير (1968) الابن الرهيب للمسرح الألماني حول واجب المسرح في التحدث عن مظلوميات المجتمع، كانت إجابته بسيطة وواقعية: «لم أفكر قط في واجب المسرح. لا أعتقد أنَّ من واجبه أن يؤدِّي مهمة، ولا من واجبي بوصفي مخرجاً مسرحياً أن أشرح شيئاً لأحد أو أجبره على تبنّي وجهة نظري حول العالم». أوسترماير الذي يعدّ أحد أهم مسرحيي أوروبا اليوم، يعتبر أن كل عمل مسرحي بمثابة محاولة لفهم الذات وتشارك أخبار جيله، و"مواجهة جادة لفهم تناقضاتنا الخاصة" لا أكثر. يحاول القيام بذلك عبر العودة إلى كلاسيكيات المسرح العالمي واقتباس نصوص لهنريك إبسن، وشكسبير، وبوخنر وأونيل وإعادة تأويلها لتطرح قضايا سياسية واجتماعية راهنة تتطرق إلى الجنس، والسلطة، والجريمة، والمخدرات، وسلطة المال، والأرستقراطيات الجديدة المقنعة. بالنسبة إلى أوسترماير، المسرح حافل بالعنف والجريمة والجنس منذ نشأته... وما علينا سوى تذكر أوديب الذي «قتل والده ومارس الجنس مع والدته». أعماله مشاكسة، واستفزازية وفذة وآنية: قدم «هاملت» المعاصر الغارق في الوحل. أعاد تقديم فيلم فاسبيندر «زواج ماريا براون» على الخشبة وبدأ عرضه بصرخة «هايل هتلر» (فليعش هتلر) تلاها برسائل عشق وجهتها نساء لهذا الأخير كما لو أنه نجم سينمائي. في «النورس» (2016) للكاتب الروسي تشيخوف، لامس أوسترماير المخاوف السياسية والاقتصادية والنفسية والميتافيزيقية التي نعايشها اليوم في ظل كوميديا قاسية، انتقد فيها المسرح المعاصر. في هذا العمل، جعل شخصية مدفيدينكو أيضاً تتحدث عن المأساة السورية من خلال استذكار طبيب سوري يعمل سائق تاكسي في ألمانيا. ما هي فرص الوصول إلى الحقيقة في ظل هيمنة الاقتصاد وسطوة كبار رجال الأعمال وكيف يتم تحويرها عبر التلاعب الإعلامي؟ في مسرحية «عدو الشعب» (١٨٨٢) لإبسن التي أخرجها أوسترماير عام ٢٠١٢، أجرى تعديلات صغيرة على العرض لدى تقديمه في تركيا، كانت كفيلة بتصنيفه في إحدى الصحف التركية بأنّه معاد لإردوغان! إلى هذا الحد، يبدو أوسترماير معنياً بما يجري خارج نطاق بلاده على المستوى السياسي والإنساني والاجتماعي. هو يخاطب كل جمهور بهمومه الخاصة التي تتجانس تقريباً وتتشابه في كل زمان ومكان من دون أن يقع في فخ فرض الإسقاطات على الآخرين ومن دون أن تستميله نظرة الفن المتعالي على جمهوره. كان لعرض «هاملت» في «مسرح القصبة» في رام الله رمزيته الكبيرة وبخاصة أنه أتى بعد عام على اغتيال صديقه المقرب جوليانو مير خميس (٢٠١١) المسرحي اليهودي المناهض للصهيونية، وجاء دعماً للقضية وللشعب الفلسطيني. مع كل الجنون الذي يكتنفه مسرح أوسترماير على صعيد تأويلات النص والتعاطي مع الفضاء والجمهور، يجد نفسه «مخرجاً محافظاً». مشى عكس تيار مخرجي بلاده، جاعلاً النص العنصر الأهم في العرض، مكرساً بذلك نمطاً واقعياً معاصراً يبتعد عن الإستيتيك المفرط والمجاني. تأثر بسارة كاين وكان السبّاق إلى تقديم ريبيرتوار كامل لأعمالها، ويسعى دوماً إلى إدخال بعض من روحية أعمال كاين حتى في عروض تتناول نصوص شكسبير أو غيره.

* محاضرة متخصصة ونقاش عام حول «رؤيته للمسرح ودوره ضمن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعاصر»: 13 تشرين الثاني: «دواوين» و«آرت لاونج».