«عالم الجليد والنار»، هو كتابٌ مرافق لروايات «لعبة العروش»، أصدره جورج مارتن بالتعاون مع كاتبين آخرين، ومجموعة من الفنانين والرسامين أواخر 2014، حتّى يكون بمثابة «خلفية» لأحداث الروايات. فيشرح هذا «الدليل» تاريخ قارة ويستيروس، منذ وصول «الرجال الأوائل» اليها وحربهم مع «السكان الأصليين» - أبناء الغابة - وحتى سقوط سلالة التارغاريان واعتلاء روبرت بوراثيان العرش وابتداء حكاية المسلسل. كما يقدّم الكتاب - في ما يقارب الألف صفحة - توصيفات مفصّلة لأقاليم «ويستيروس» وجغرافيتها وعاداتها وأديانها، ومدنها وقلاعها الرئيسية، إضافة الى تأريخٍ منفصل لكلّ مقاطعة وعائلةٍ مهمّة.يقدَّم الكتاب على أنّه عملٌ تركه لنا المايستر ياندل، باحثٌ جليلٌ في «أولدتاون» جمع - في عهد «الملك تومِن» - أغلب المصادر المتوافرة حول تاريخ الممالك السبع (بما فيها عمل المايستر بايسِل، أحد شخصيات المسلسل، والذي يتم اقتباسه أكثر من مرة)، وصاغ منها عملاً تأريخياً شاملاً - والسرد يجري على لسانه.
يشرح الكتاب العديد من الأحداث التي يتمّ ذكرها باقتضاب في الروايات والمسلسل، فنجد توصيفاً دقيقاً لـ«رقصة التنانين»، الحرب الأهلية العاصفة بين آل تارغاريان في بدايات حكمهم، والتي انقرضت من بعدها، تقريباً، التنانين من «ويستيروس»: في بداية الحرب، يقول المايستر ياندل، كان الملك آيغون، مدّعي العرش، يمتلك أربعة تنانين بالغة قادرة على القتال، من بينها «فاغار» الأسطوري الذي حارب الى جانب «آيغون الفاتح» أثناء غزو «ويستيروس» و«سانفاير» الرهيب، تنينه الخاص؛ فيما كان المعسكر المقابل يتحكم بأكثر من ثمانية تنانين، إضافة الى عددٍ يطير في القفار ولما يتمّ ترويضه. مع نهاية الحرب كانت أغلب هذه الحيوانات الأسطورية قد قَضت. في تفصيلٍ لطيفٍ، يعكس جوّ الكتاب، يقدّم مارتن (أو «ياندل») توصيفاً لـ«المسابقة العظيمة لعام 98»، حين أقام الملك جاهارييس احتفالاً ضخماً في العاصمة (التي كان بناؤها قد اكتمل حديثاً)، تبدّى فيه حكم آل تارغاريان وهم في عصرهم الذهبي، في قمّة سلطتهم وعزّهم، وقد أحضر نبلاء العائلة تنانينهم التي ملأت سماء «كينغز لاندينغ». وكانت تلك المرّة الأخيرة التي تشهد فيها «ويستيروس» هذا العدد من التنانين في مكانٍ واحد، إذ حلّت بعدها الحرب الأهلية و«رقصة التنانين»، وانشغل أبناء العائلة بقتل بعضهم البعض.
الأحداث من هذا النوع غالباً ما ترافقها رسوماتٌ جذّابة، وقد تشارك جورج مارتن مع مجموعة من الفنّانين لرسم الأماكن والشخصيات والمدن والقلاع، وانتاج لوحاتٍ توصّف معارك وأحداثاً شهيرة (كمسابقة عام 98، مثلاً). والمميز هنا أنّ هذه الرسومات قد تمّ إعدادها بالتعاون الوثيق مع مارتن فهي - على عكس المسلسل التلفزيوني - تترجم رؤيته الشخصية لعالم «ويستيروس». إضافة الى تعميق معرفتنا بالمواقع التي يذكرها المسلسل والروايات (مثل «وينترفيل» و«الجدار»... الخ)، فإنّ الكتاب يقدّم لنا مدناً وأماكن لم تظهر في المسلسل ولا تدور فيها أحداثه. «كاسترلي روك»، مثلاً، حصن آل لانيستر، ليس قلعةً تقليدية كباقي الحصون الكبرى في «ويستيروس»، بل هو عبارةٌ عن صخرةٍ هائلة، ارتفاعها بمئات الأمتار وتمتدّ لكيلومترات كمستطيلٍ يشرف على الساحل الغربي. «كاسترلي روك»، أصلاً، هي عبارة عن منجم ذهب قديم، يخترق هذه الصخرة من قاعدتها إلى أعلاها، تمّ تحويل أنفاقه ومساحاته المفرّغة، بعد نضوب الذهب فيها، إلى ردهات وصالات واسعة لقصرٍ هائلٍ منيع، أسواره صخر الجبل ولم يتمّ اقتحامه بالحرب منذ سكنه آل كاسترلي قبل آلاف السنين (هناك اختلاف حول كيفية استيلاء الجدّ الأكبر لآل لانيستر، «لان النّبيه»، على «كاسترلي روك»، فالبعض يقول إنّه ربح القصر من ملّاكه الأصليين بالخدعة والحيلة، عبر رهان، والبعض الآخر يقول إنّ «لان» ظلّ يتسلّل الى حجرات القصر ويقيم العلاقات مع نساء «كاسترلي» حتّى أصبحت أكثر ذريّة «كاسترلي روك» من أولاده).
يضيء الكتاب أيضاً على أحداثٍ كثيرة ترتبط بالمسلسل، فهو يكاد يؤكّد مثلاً، على نظريّة أنّ تيريون لانيستر (القزم) هو، في الحقيقة، ابنٌ غير شرعيّ لملك التارغاريان الأخير، أريس. يشدّد المايستر ياندل، أكثر من مرّةٍ، على أن آل لانيستر معروفون بذريتهم الجميلة والصحية، وأنه يندر أن يولد لديهم طفلٌ مشوّه (مثل تيريون)، بينما مات الكثير من أبناء «الملك المجنون» أثناء ولادتهم، أو ولدوا مشوّهين وناقصين. كما أنّ ياندل يشير إلى الخلاف الحادّ الذي اشتعل فجأة بين تايوين لانيستر و«الملك المجنون»، بعد أن كان رفيقه الحميم منذ أيام الفتوّة، وإبعاد تاوين لزوجته عن العاصمة في فترةٍ تقارب ولادة تيريون. وصل الخلاف بين الرجلين الى أشدّه حين عرض تايوين على أريس، خلال زيارةٍ لـ«كاسترلي روك»، بأن يزوّج ابنه، وليّ العهد رايغار، الى ابنته سيرسي، فأجاب الملك صديقه القديم بجفاء: «انت، يا تايوين، خادمٌ جيّد، ولكنّك مجرّد خادم» - وقد تكون هذه الكلمات هي التي قضت حقّاً، بعد سنواتٍ من ذلك الحوار، على سلالة تارغاريان.
طالما أنّ الكلام هو على تايوين لانيستر (الشخصية الأكثر إتقاناً وجاذبية في الرواية، من وجهة نظري)، فإنّ المايستر ياندل يقصّ لنا أيضاً حكاية «آل الراين من كاستامير»، التي تحوّلت الى أغنية تظهر تكراراً في المسلسل، ويعتبرها آل لانيستر تراثاً يخلّد بأسهم وقسوتهم على أعدائهم. على ما يبدو، كان آل «راين» ثاني أقوى عائلة في المقاطعة الغربية لويستيروس، بعد آل لانيستر، وهم يملكون أيضاً منجماً ثرياً للذهب. حين اصطدم تايوين لانيستر الشابّ مع عائلة راين، وكانوا يراكمون السلطة والجرأة مستغلين ضعف والد تايوين وتسامحه، قرّر اللورد تايوين أن يصنع منهم مثالاً حتى يفهم الجميع الفارق بينه وبين أبيه. بعد أوّل انكسار عسكريّ، قرّر آل راين أن يمارسوا دفاعهم التقليدي فدخلوا، هم وجنودهم وبلاطهم وخدمهم ومؤيدوهم، الى حصن «كاستامير»، وهو أيضاً منجم ذهب تحت الأرض تمّ تحويله الى قصر ومن شبه المستحيل اقتحامه - وانتظروا أن يطلب تايوين التفاوض بعد أن ييأس من إخضاعهم. بدلاً من إرسال الرسل، أمر تايوين جنوده بتحويل نهرٍ صغيرٍ يجري في المنطقة وتوجيهه الى مداخل المنجم حتى يصبّ فيه ويملأه، فأغرقهم جميعاً ومحا عائلة «راين» من صفحات التاريخ.
على طريقة كتاب «السيلماريليون» لجون تولكين (وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من الوثائق والشروحات المفصّلة عن عالم روايات «سيّد الخواتم» وأعراقه وتاريخه ولغاته، وقد جمعته عائلة تولكين في كتابٍ ونشرته بعد وفاته)، يقدّم «عالم الجليد والنار» ما يشبه «المادة الخام» لكتّاب الفانتازيا حتّى يبنوا على روايات مارتن ويكتبوا، في المستقبل، قصصهم الخاصّة في عالم «ويستيروس» - وهو تقليدٌ شائع في الفانتازيا الأميركية. بعض قرّاء «أغنية الجليد والنار»، من جهةٍ أخرى، يشتكون من كون مارتن يؤجّل إصدار رواياته ويؤخّر مواعيدها أعواماً، حتّى ينشر دليلاً تاريخياً/ سياحياً من ألف صفحةٍ عن ويستيروس. القلق من أنّ مارتن لن يتمكّن من ختم رواياته يتعاظم، خاصّةً مع البطء في النشر والتمدّد المستمرّ لحجم الرواية؛ فلو أخذنا الماضي دليلاً، يعلّق أحد المعجبين، فإن مارتن سينشر الكتاب الأخير من السلسلة بحلول عام 2023، حين يكون في الخامسة والسبعين من العمر - وكم مرّة رأيتم أحداً بسمنة وأسلوب حياة مارتن، وهو في الخامسة والسبعين؟