جان شمعون (1944) ابن قرية سرعين البقاعية، وخريج الجامعتين اللبنانية (معهد الفنون الجميلة) والفرنسية (جامعة باريس الثامنة) صنع مدرسته الخاصة. تقترب سينماه كثيراً من «الناس». تعبّر عنهم وتقترب منهم ومن أوجاعهم، «فالسينما إن لم تكن ملتصقة بالواقع اليومي للناس وبقضاياهم ومشاكلهم، ليست سينما» كما يشير في إحدى مقابلاته. يعتبر شمعون من الجيل المؤسس للسينما اللبنانية الجديدة، ضامين إياه مع أسماء مثل برهان علوية ومارون بغدادي. أمر ينتقده، مؤكداً أنّه «مختلفٌ عنهم ومستقل، ولكلٍّ منا أسلوبه».عرف اليساري المقاوم على طريقته أن يقدّم سينما تشبه ما يريد قوله لو أنّه يحمل بندقية، فكانت الكاميرا بين يديه أشبه بسلاح، وأكثر من هجوم. «الحمل الأسود» في عائلة شمعون، الذي توسّط له الرئيس اللبناني كميل شمعون ـ شخصياً- لإخراجه من سجنٍ للقوات اللبنانية في السبعينيات (بعد خطفه على أحد الحواجز)، قدّم فيلمه الوثائقي الأوّل «تل الزعتر» في عام 1976 عن المجزرة الفظيعة، ليتبعه بعد عامين بوثائقي «أنشودة الأحرار»، متحدثاً عن حركات التحرّر في القارات الثلاث. خلال تلك المرحلة، تعرّف إلى المخرجة الفلسطينية مي المصري التي ستغدو شريكة حياته الشخصية والإبداعية. هذه الشراكة ستخولّهما العمل معاً، فتغدو أعمالهما ذات روحية واحدة ولو كان الاسم على الأفيش لأحدهما. معاً، قدما «تحت الأنقاض» (1982)، ليتبعاه بفيلم «زهرة الجندول» (1985) الذي حصد لهما كثيراً من الجوائز والاهتمام العالمي. قارب الشريط الوثائقي قضيةً شديدة الأهمية هي دور المرأة، وخصوصاً الجنوبية في مقاومة الاحتلال الصهيوني. لاحقاً، أتى تسجيلي «جيل الحرب» (1989) ليقترب من بعدٍ إنسانيٍّ آخر، هو الجيل الذي ولد في الحرب و«تربّى» عليها وفيها، ليتبع هذه التجارب بوثائقيين هما «أحلام معلّقة» (1992) في حكاية حول مقاتلين سابقين من الحرب الأهلية باتا بعيدين عنها في إنتاج لـ bbc و«رهينة الانتظار» (1994) الذي يتناول قصّة طبيبة تعود إلى جنوب لبنان لتقارب الاحتلال وهواجسه.
في عام 2000، قدّم شمعون ـ وحده هذه المرّة- فيلمه الروائي الأوّل (الوحيد حتى اللحظة) «طيف المدينة» في مكاشفةٍ مباشرة مع الذات حول الحرب اللبنانية. إنها حكاية أحد «أبناء هذه الحرب» في حكايةٍ ستغدو معتادةً لاحقاً مع الأيام في رواية الحرب: الفساد الذي استشرى في الحرب، سيبقى بعدها ليشكّل علامةً لسنين لاحقة. يومها، قدّمت الممثلة اللبنانية كريستين شويري واحداً من أهم أدوارها في شخصية المرأة التي تفقد زوجها في الحرب في طرحٍ لقضية المفقودين المعلّقة حتى اللحظة. عاد شمعون بعد ذلك إلى هوايته المفضّلة في إخراج الوثائقيات، فقدّم واحداً من أجمل وثائقياته حتى اللحظة. إنّه «أرض النساء» (2004) الذي قارب حكاية ثلاث مناضلات فلسطينيات أولهن كفاح عفيفي الأسيرة المحررة من معتقل الخيام، وفدوى طوقان أولى شاعرات فلسطين، وسميحة الخليل إحدى رائدات المقاومة الاجتماعية والثقافية والشعبية ضد الصهاينة. «يوميات بيروت» (2006) كان أحد أواخر أعماله، بالاشتراك مع مي المصري، محاولاً سبر الواقع اللبناني بعد اغتيال رفيق الحريري.
تأتي السينما لدى شمعون كثقافة حياة لا يمكن فصلها عن حياته اليومية المعاشة، ولا عن تجاربه التي يريد أن تظل كاميرته تسجّلها كي تكون الكلمة التي سيظل يرددها.