ساعات قليلة تفصلنا عن الدورة الحادية عشرة من «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر». الليلة، يطلق Bipod عقداً جديداً من الرقص المعاصر، مكرّساً بيروت عاصمة له منذ 2004. مساحة باتت تتصدر برنامج المدينة للاحتفاء بالأجساد ــ رغم كل شيء ــ مع «تورّط» الجمهور أكثر في هذه الفسحة. الدورة الحالية، قادتها ميا حبيس (راجع الكادر)، متسلمة دفة المهرجان عن عمر راجح الذي شغلها لعقد كامل.
10 عروض من بلجيكا، والسويد، وهنغاريا، وبريطانيا، وألمانيا، وهولندا وفرنسا وسويسرا ستشغل مسارح «المدينة»، و«بيريت»، و«مونتاني» و«مقامات ــ بيت الرقص في الشوف» حتى 26 نيسان (أبريل) الجاري. ورغم تنوّع الأساليب والرؤى والمدارس واللغات الفنية والجسدية، إلا أن الأعمال تجتمع، للمرة الأولى، على الحميمية وخصوصية اللقاء بحيث يصبح التفرّج عليها كـ«اختلاس النظر إلى غرفة خاصة» وفق ما قالت ميا حبيس خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد أخيراً للإعلان عن برنامج المهرجان. تخطى المهرجان عقبات كثيرة، إلا أن بعضها طاوله مباشرة هذه السنة مع غياب العروض العربية واللبنانية التي تشكل جزءاً أساسياً من هويته وتوجهه في هذه المنطقة من العالم. هكذا ألغيت ثلاثة أعمال عربية، كانت مقررة ضمن البرمجة، بسبب عدم القدرة على تأمين الدعم المالي لها. ولعلّ عزاءنا لهذا الغياب العربي يتمثل في النسخة الرابعة من «ليمون» (الملتقى العربي للقص المعاصر) الذي يدعو مصممي رقص من المغرب وفلسطين ولبنان إلى إقامة فنية مع الراقصة والمصممة البريطانية ليلى ماكميلان (راجع الكادر). كذلك، تتواصل أنشطة شبكة «مساحات» التعاونية التي أطلقها «بايبود» عام 2007 نتيجة لقاء بين فرقة «مقامات» اللبنانية، و«سرية رام الله» (فلسطين)، وبعدها «المركز الوطني للثقافة والفنون» (الأردن). ضمن شبكة التبادل الثقافي والتواصل والحوار في الرقص المعاصر، ستسافر مجموعة من عروض البرنامج البيروتي إلى رام الله وعمان.
وعلى هامش العروض الأساسية، يتضمن المهرجان أيضاً ندوات اختصاصية وثلاث ورشات عمل مع فرقة 7273 (12/4)، وليلى ماكميلان (12/4)، وآكاش أوديردا (18/4) وحوارات مع الفنانين إلى جانب معرض Relief and expansion الثلاثي الأبعاد للفنان البلجيكي جوليان مير الذي يستضيفه المهرجان مساء اليوم والغد. يفتتح الحدث بعرض «طرب» (11/4 ــ س: 19:00) لفرقة 7273 السويسرية للكوريغرافيين لورنس يادي ونيكولاس كانتيلون. ضمن انخراطهما الدائم في الأنماط الفنية المختلفة، يجمع عملهما الجديد بين الرقص الصوفي والـtrance. تتدفق حركات الراقصين العشرة طوال العرض، بشكل متواصل لامتناهٍ. بعدما شاهدنا عرضيه «من الشرق»، و«إلى الذي أحب»، في مهرجان BIPOD خلال الأعوام الماضية، يحل العرض العالمي الأول لـRevolt (12/4 ـ س:20:30) للكوريغراف البلجيكي تيري سميتس وفرقة Thor ضيفاً على البرنامج. العمل الذي تقدّمه الراقصة الأوسترالية نيكولا ليهي منفردة على المسرح، يدعو إلى التحرر والعصيان والتمرد قبل كل شيء. هكذا تمثّل حركاتها استعارة للقيود والسلطات المفروضة على جسد المرأة حتى في المجتمعات المتقدّمة.

الافتتاح الليلة مع «طرب»
الذي يجمع بين الرقص الصوفي الصاخب والـ Trance

العرض الألماني This is concrete (15/4 ــ س: 20:30)، يعدّ ثمرة تعاون بين الكوريغرافيين والراقصين جفتا فان دينتر وتياغو غراناتو اللذين يقدمانه معاً أيضاً. وكما تتداخل الأحجار الاسمنتية في البناء، يتداخل جسداهما في حركات لامنقطعة حيث تتهاوى الحدود بينهما. وإلى جانب الرقص، يذهب الجسدان في هذا العرض الحميمي نحو ممارسات اجتماعية أخرى كالأكل والمحادثة والجماع. أما أحد أهم العروض المنتظرة في المهرجان، فهو Rising الذي شارك في تصميمه ثلاثة من أبرز مصممي الرقص في العالم ممن زاروا «بايبود» سابقاً وهم: سيدي العربي الشرقاوي، راسل ماليفنت وأكرم خان، ويقدّم العرض الراقص البريطاني الآسيوي آكاش أوديردا (17 و 18/4 ــ س:20:30). يقسم العرض إلى أربعة أقسام، عمد كل من المصممين الثلاثة إلى جانب آكاش الى تصميمها، حيث يظهر كل واحد جوّه وفضاءه الخاص. عبر أنماط رقص مختلفة تجمع بين التقنية المحترفة والشاعرية، يسعى آكاش إلى اكتشاف طرق ولغات جسدية جديدة، لخلق شخصيته الخاصة. يلجأ المصممون الى خلفية آكاش في الرقص الهندي الكلاسيكي، وتحديداً رقصتي «الكاتاك» و«البهاراتانانيام». حوالى سبعين دقيقة سنمضيها مع هذا الراقص المدهش الذي يملأ المسرح بحضور وأداء متفرّدين.
Gerro, Minos and him (19/4 ــ س: 20:30) هو عنوان العرض السويدي الذي صممه ويؤديه ألون مارشال وسيمون تانغي وروجير سالا رينر من فرقة Propagande C. إنهم ثلاثة رجال تجمعهم غرفة واحدة. ينطلق العرض الديناميكي حين يقررون معاً إيجاد الطريقة لصرف الوقت. تبدأ مساحة اللعب، ومعها مرحلة التحوّل والتبدل في أجسادهم وعلاقاتهم معاً.
يلجأون إلى الخيال لخلق فضاءات افتراضية خارج مساحة الغرفة. أما نهار الأربعاء (22/4)، فيستضيف المهرجان عرضين مختلفين تحت عنوان Double Bill. الأول Ode to the attempt آت من هولندا للكوريغراف ين مارتينز. يقدّم هذا العمل بورتريهاً شخصياً للفنان الهولندي الذي يعدّ أحد أبرز الوجوه الشابة المعاصرة في المشهد الأوروبي. بزيّه الرياضي، يعبر مارتينز عن أسلوب حياته وعمله وتبدّل أمزجته وحالاته النفسية؛ اللعب، والانتعاش، والفكاهة، والحزن. تناقضات تقود حركته على الخشبة وتساؤلاته حول الجيل الجديد والانتماء إليه. يفتح رأسه وحاسوبه أمامنا في عرض متعدد الوسائط يجمع الفيديو والكلمات والرقص. أما العرض الثاني فهوDoes It Start with a kiss؟ لفرقة إيفا دودا الهنغارية (23/4 ــ س: 20:30) صممه الثنائي روزانا هريبار وغريغور لوستيك. ثلاثة راقصين على المسرح، يفجرون ثيمة العلاقة والارتباط والتبادل بين الأفراد. عمل تتضاعف فيه الحركة لتقترب من شغف التانغو من دون أن تغيب عنه الفكاهة في تقديم نماذج علاقات الشخصية بعضها ببعض.
عمل آخر لين مارتينز يستضيفه الحدث، هو Sweat baby sweat (23/4 ــ س: 20:30). العمل الذي صممه الفنان الهولندي، يؤديه راقص وراقصة على المسرح. إنه أحد أكثر العروض حميمية في المهرجان. وحتى لو أنه يتناول موضوعاً مستهلكاً نسبياً وهو العلاقة بين الرجل والمرأة، إلا أنه يأخذ الجسدين إلى مكان آخر... مكان حميمي ومؤلم في آن. إلى حتمية الفراق من دون القدرة على الانفصال الجسدي وتطبيقه واقعياً. حركات بطيئة خلاقة وغريبة في تناول هذا الموضوع، حين تتسلق جسد حبيبها، ويلتصق الجسدان معاً في تنويعات على ثيمات التلاقي والالتصاق.
يجمع EXUVIAE (25/4 ـــ س: 20:30) للفرقة الفرنسيةSine qua non art، بين اللغة البصرية والجسدية والبحث العلمي، ليستثير موضوع السلخ، أو قشر الجلد لدى الحيوانات. في العرض الذي صممه كريستوف بيرانجيه وجوناثان برنلاس ديسكور، يتداخل الجسدان مع مادة الشمع على الخشبة. هكذا تتبدل أشكال الشمع من الجمود والسيلان، طوال العرض بالتفاعل مع جسدي الراقصين وتنفسهما ووزنهما. أما الختام مساء 26 نيسان (أبريل) فسيكون مع الكوريغراف والفنان البصري الإسباني الياس أغيري. عمله Flightless مستوحى من الثيمات الطبيعية التي لطالما عمل عليها في رقصاته، وتحديداً من فكرة تجدد الطبيعة، والقدرة على الانبعاث دائماً. الرقصة التي يقدّمها منفرداً، تستكشف العبث والتناقض من خلال شخصية تصر على تخطي حاجز العجز.

* «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر»: الافتتاح في السادسة من مساء اليوم في «مسرح المدينة» ــــ حتى 26 نيسان (أبريل) الجاري ــ فضاءات عدة في بيروت ـــ للاستعلام: 01/218040