من العلوم السياسية والنادي السينمائي في مدينة طرطوس، جاء سيمون صفية. السينمائي السوري (1988) واحد من جيل طازج، تفطّن مبكّراً إلى هوسٍ سينمائي. لم يكترث لغياب معهد عال للسينما في البلاد، فاعتمد على الجهد الذاتي والاجتهاد الشخصي.

بعد عدد من ورشات العمل، عمل مع جود سعيد كمساعد مخرج متمرّن في «صديقي الأخير» (2012)، ثم كمخرج مساعد في «بانتظار الخريف» (لم يُعرض بعد).

عرفته مواقع التصوير أيضاً في «29 شباط» (2012) للمهند كلثوم، و«حرائق البنفسج» (اسم مبدئي، لم يُعرَض بعد) لمحمد عبد العزيز، و«الحافلة» (لم يٌعرَض بعد) ليوسف اليوسف. سريعاً، افتتح الفيلموغرافيا الخاصة به بالتجريبي «ليست مجرّد تفاحة» (2012 ـ 1 د.)، ليتجّه إلى الروائي في «ليش؟» (2013 ـ 8 د ــ المؤسسة العامة للسينما – مشروع دعم سينما الشباب). في هذا الشريط، يمكن تلمّس بعض الإشارات القادمة في عمل المخرج الشاب. سيناريو أكثم ديب يلاحق قصة حب ضمن مناخ ساحلي. يقترح قضية الزواج المدني، ضمن مسحة سريالية وتقطيع كلاسيكي في الإخراج.
يمكن اعتبار «ليش؟» مرحلة انتقالية ضرورية بكل ما لها وما عليها في أسلوب تفكير صفية، وطريقة نظرته إلى الأمور والأشياء. بعد عام، عاد في «جوليا» (2014 ـ 16 د.، المؤسسة العامة للسينما ـ مشروع دعم سينما الشباب). هنا، نضج أكثر على مختلف المستويات، بدءاً من الكتابة وصولاً إلى الإخراج والأسلوبية وبناء المشهدية. بخفة وبنية هادئة وكلمات قليلة، يرصد تبعات الاغتصاب الوحشي الذي تعرّضت له «جوليا» على خلفية الحرب السورية... هذا المسكوت عنه في عدد من البيوت المغلقة ووسط العائلات المحطّمة. فاز عنه بجائزة أفضل إخراج في «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الأول» في دمشق العام الماضي، ويستعد للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الأولى من «مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير» (7 ـ 12 أبريل 2015) في مصر. في التسجيلي، حقق صفية «النفق» (2013 ـ 25 د. «بوور فيلم»)، متتبعاً يوميات لاجئين سوريين يقطنون نفقاً للمشاة في طرطوس. «بوور فيلم» واصلت سعيها لإنجاز أفلام سوريّة مستقلة. أخيراً، ضربت مجدداً في الروائي الطويل «السردين يحاول الطيران»، ليكون باكورة سيمون صفية إخراجاً وكتابةً.


يشارك فيلمه «جوليا» في مهرجان الإسكندرية الشهر المقبل

بشكل شبه سريّ، دارت الكاميرا في طرطوس مرّة أخرى. نحن بصدد خطّين رئيسيين في صلب المأساة السورية: خط روائي يلاحق المدرس فراس الذي يسعى لاستعادة حياته بعد إعلان وفاته رسمياً، وتسجيلي من خلال صديقه المخرج ورد الباحث بكاميراه عن هوية سينمائية مختلفة. بين الروائي والتسجيلي، يبحث كل منهما عن كينونة جديدة، ليأتي السؤال: «ماذا لو عادَ كلّ الذين ماتوا إلى الحياة؟». يتصدّى للتصوير صفية نفسه، إضافةً إلى ورد حيدر ومهران يوسف. يلعب الأدوار كل من: محمد عبد الله علي، ومحسن عباس، ونانسي خوري، وورد حيدر، ونور غانم، ورامي الخطيب وعلي منصور. في حديثه لـ «الأخبار»، يعود صفية إلى البداية.
«أمضيتُ عامين في العمل على مشروع آخر بين سيناريو واختيار ممثل الدور الرئيسي، ووضع ميزانية تقديرية. فجأةً، خطر لي سؤال: ماذا لو عاد الموتى إلى الحياة؟ سألتُ محام عن الإجراءات القانونية، وبقيتُ أكتب لثلاثة أيام متواصلة». ويضيف صفية: «ثلاثة أشهر من الاستعداد لإنتاج Poor Film الجديد، تلاها شهر تصوير في مدينتي». في محاولة لافتة، حاول سيمون مع عدد من الأصدقاء تأمين ميزانية الشريط من خلال التمويل الجماعي.
المسعى المهم الذي قد يكون حلاً سحرياً لإطلاق السينما السورية المستقلة/ الجديدة، لاقى فشلاً ذريعاً. ما الحل إذاً؟ يجيب صفية: «مهران يوسف قدّم المعدّات مجاناً. الممثلون عملوا بلا مقابل. عائلتي تحمّلت جزءاً كبيراً من تكاليف التصوير. الأرقام لا تهم أمام كل هذا الحب». نسأل عن عنوان الفيلم. من أين جاء؟ يوضح صفية: «كائن يحاول منذُ ولادتهِ التنفس فوق سطح الماء.
يتحرّك ضمن أسراب، ويتم اصطياده ضمن أسراب. يخرج للمرة الأولى خارج الماء ليصطدمَ بالموت، ثم يُعلّب ويُركن على الرفوف مع تاريخ صلاحية. كم يشبه هذا مسيرة حياتنا». في المضمون، كيف يقارن «السردين يحاول الطيران» مع أفلامه السابقة؟ ماذا يقترح من جديد؟
يقول صفية: «كما في «جوليا»، ألاحق فرداً محدداً، وأحاول الإحاطة بجوانب قصته. عدا ذلك، نحن في صدد حالة مغايرة تماماً. موت يقتحمُ الحياة. «فراس» مدرّس وعاشق يعود إلى الحياة بعد ثلاث سنوات. يعاين مآل الأمور في دائرته الصغيرة (العائلة، الحبيبة، الأصدقاء)، والمحيط الأكبر (المدينة، الوطن)».
ويضيف: «قد يكون الجديد أيضاً هو طرح البيئة (الساحل السوري) بواقعية جديدة، لا تشبه ما تمّ تقديمه سابقاً». يتابع صفية حول الأفلمة: «حاولتُ الخروج على قواعد التقطيع وكسر المحور وما إلى ذلك.
هذا القرار جاء من الفكرة نفسها، والتداخل بين الروائي والتسجيلي. الواقع حاضر كما هو، من أماكن التصوير إلى لغة الشخوص». يختتم صفية كلامه معنا: «نحن حالياً في «معسكر المونتاج» (توليف وغرافيك إبراهيم ملحم) حسب ساعات الكهرباء. نستميت حتى آخر أمبير في البطارية. ثمّة بعض الارتباك، والكثير من المتعة».