حصاد الثقافة 2015 | ككل سنة، وجدت الساحة الثقافية المغربية نفسها بين إنتاج ثقافي، نادر، وسري في الغالب، وبين جدالات واسعة لأسباب قد نصفها بالتافهة. هذه السنة أخذ فيلم المغربي نبيل عيوش، الحصة الكبرى من النقاش «غير» الثقافي في المملكة. نقاش بلغ أشده بعد منع الفيلم الذي حمل عنوان «الزين اللي فيك»، وتسريب مقاطع من مادته الخام التي تصور لقطات ساخنة للممثلة لبنى أبيضار. الفيلم الذي يحاول مقاربة الدعارة في مدينة مراكش، تحول لدى من تلصصوا عليه، دعارةً صافيةً، وكالوا له الكثير من الانتقادات. الفيلم حقق الكثير من النقاش وتربع على عرش العبارات التي بحث عنها في محركات غوغل خلال عام 2015. وخلافاً لفيلمه السابق «علي زاوا» الذي فتح الباب على مصراعيه لنقاش مجتمعي، كان حاضراً، حول أطفال الشوارع، فإن «الزين اللي فيك» تحول مادة دسمة للأقاويل، والاتهامات، والتهديدات لطاقم الفريق، وانتهى الأمر بانتقال بطلة الفيلم إلى فرنسا، بعد تعرضها لاعتداء، على حد قولها في الشارع في مدينة الدار البيضاء. ما عدا هذا، لم يشهد العام إنتاجات لأبرز المخرجين المغاربة، رغم أن صحة الإنتاج، لا تزال جيدة، بفضل العناية المركزة التي يعيش فيها منذ سنوات. سياسة «المركز السينمائي المغربي» القاضية بتمويل إنتاجات المخرجين المغاربة، هي الأمر الوحيد الذي يحقق استقراراً في نسبة الإنتاج. لكنها في المقابل، سياسة تسهل على الكثير من المخرجين الرديئين إنتاج أفلام، لا تجد نسب متابعة كافية وتسهم في قتل الحياة السينمائية في البلاد. وربما هذا هو ما دفع إلى تقلص أعداد رواد الصالات السينمائية إلى أكثر من الثلث في ظرف سنتين وفق إحصاءات قدمتها القاعات. المركز السينمائي من جانبه، يحاول جاهداً إنقاذ قطاع التوزيع، وأسهم في إعادة الروح إلى عدد من القاعات من خلال تجهيزها بأحدث التقنيات، وإصلاح قاعاتها. كما أعلن مدير المركز صارم فاسي الفهري، نيته إطلاق ورش مع الوزارة الوصية على قطاع السينما، وهي وزارة الثقافة، من أجل تجديد القوانين المتعلقة بالسينما.
طبعاً وككل سنة، شهد المغرب تنظيم العشرات من المهرجانات الصغيرة للسينما، المتخصصة في أجناس سينمائية مختلفة، بينما تسيد «مهرجان مراكش الدولي» كالعادة المشهد، وترأس لجنة تحكميه العبقري السينمائي فرانسيس فورد كوبولا. وطبعاً ككل سنة، لم يسلم المهرجان من انتقاد ومساندة بين من يعتبره هدراً للمال العام، وتكريساً لوصاية شركات وشخصيات أجنبية، خاصة الفرنسية، وبأنه لا يعود على البلاد بأي نفع، وبين من ينفي الأمر، ويعتبره مهماً لتكريس صورة المغرب، وجذب مخرجين عالميين، ليأتوا لتصوير أفلامهم في البلاد.
«مهرجان مراكش» شبيه بـ «مهرجان موازين» في الرباط. المهرجان الموسيقي الضخم، الذي يستضيف من كل فن وبلاد نجماً، أثار النقاشات الحادة، في الصحافة المغربية وفي الشارع الذي احتج على المهرجان. لكن هذه المرة كان الجدال حول ملابس المغنية الأميركية جنيفير لوبيز. بث حفل لوبيز التي كانت ترتدي ملابس «مثيرة» كما ردد كثيرون على القناة الثانية المغربية، جرّ على القناة والمهرجان الكثير من الانتقادات.
ضجة كبيرة أثارها فيلم نبيل عيوش «الزين اللي فيك»
والانتقادات لم تسلم منها هذه المرة، المغنية الشعبية زينة الداودية. الداودية التي تعتبر واحدة من أيقونات الموسيقى الشعبية وذات جمهور عريض، أطلقت أغنية عنوانها «عطيني صاكي» (أعطني حقيبتي) التي تتحدث فيها عن امرأة ترغب في التجمل لاصطياد قلب رجل. لكن لغتها القريبة في مجازاتها للغة «الهوامش»، أثارت حنق المحافظين والحداثويين معاً بين محتقر لكلامها من موقع المتعالي ثقافياً، ومن يعتبره تجاوزاً للحدود. وفي الأغنية دوماً، كانت الموسيقى الشابة في الموعد. مهرجانات صغرى تصارع للبقاء، بينما أخرى عادت بعد مشقة، كما الحال مع «مهرجان البولفار» أيقونة الموسيقى الشبابية المغربية الذي يصارع للبقاء، وحقّق دورة جديدة للموسيقى البديلة. السنة شهدت مشادات بين موسيقيين شباب حافظوا على استقلاليتهم كما هي الحال مع الرابر يونس طالب الشهير بموبديك، وتوفيق حازب الشهير بالبيغ، الذي تحول إلى مطبّل إلى السلطة، واتجه نحو راب تجاري منذ سنوات. المشهد يعرف يومياً ولادة مجموعات ومغنين شباب من كل مدن المغرب، لا يجدون الرعاية الكافية، لكنها تجارب راديكالية، في مقارباتها، وخاصة بكلماتها، المغايرة لما عرفته الموسيقى المغربية طيلة عقود.
السنة شهدت أيضاً عودة الموسيقى الوطنية، التي صار نجومها يتصارعون من أجل الحصول على رضى السلطة، وأوسمة يراكمونها كما هي الحال مع دنيا باطمة، ومصعب العنزي، الكويتي المجنس مغربياً، الذي دعا هذه السنة حسين الجسمي للغناء في مديح الملك. الجسمي وهاني شاكر، حصلا على الرضى، ونالا وسامين، لغنائهما في تمجيد المؤسسة الملكية. السنة شهدت أيضاً ترسيخ المغني سعد المجرد، كواحد من نجوم الموسيقى العربية. كليب «انت معلم» تجاوز عتبة المئة مليون مشاهدة في اليوتيوب في ظرف وجيز، وهو رقم قياسي. ضربة معلم، استفاد فيها من تعاونه مع المخرج الشاب أمير رواني، واستيحاء الكليب لأجواء المصور الفوتوغرافي المغربي حسن حجاج.
في الأدب، ما زالت دار «اتحاد كتاب المغرب» على حالها، وتنتظر انعقاد مؤتمر قد يعيد إليها بعض الروح، بينما ينبري «بيت الشعر» في المغرب لنشر الكتب. عديد من دور النشر المستقلة تأخذ زمام المبادرة، وتسهم في حركية نشر الإبداعات بين رواية وقصة وشعر وفكر، وتحاول وزارة الثقافة هي الأخرى تحريك الوضع، من خلال سياسة المعارض المحلية للكتاب، وسياسة دعم الكتاب، و«المعرض الدولي للكتاب» في الدار البيضاء. «جائزة المغرب للكتاب» من جانبها أثارت الكثير من النقاش بعد حجب جائزة الشعر، إثر تسريب النقاش الذي حدث داخل اللجنة. وهو ما أعاد النقاش حول الجائزة وآليات إعطائها إلى الواجهة.
سنة 2015، شهدت في المقابل رحيل مجموعة من رموز الثقافة المغربية. المثقفة والنسوية فاطمة المرنيسي، والمؤرخ والكاتب عبد الهادي التازي، والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري الذي انطفأ في المغرب بعدما جعله منفى اختيارياً له. كما رحل أيقونة موسيقى غناوة المعلم غينيا. الموسيقى الأمازيغية من جانبها فقدت واحداً من أبرز قاماتها هو عموري مبارك، الذي رحل بصمت، بعد أن أعطى الكثير للغناء في المغرب.