بعد أسطوانة "أنشودة المطر" (راجع الأخبار عدد ٢٢٥٠) الذي تخطت الفنانة الملتزمة أميمة الخليل القيود الجمالية الرائجة في الموسيقى واقترحت مقاييس أخرى، تتعاون مجدداً مع المؤلف الموسيقي اللبناني عبدالله المصري في حفلٍ تكريمي للأخوين الرحباني بمرافقة الأوركسترا الوطنية اللبنانية. يأتي تعاونهما كامتداد لتجربتهما الموسيقية الأولى مع مرسيل خليفة في فرقة "الميادين".
درس المصري التأليف الموسيقي في معهد "تشايكوفسكي - موسكو"، لينال شهادة الدكتوراه (1994)، ثم درّس التأليف والتوزيع الأوركسترالي في المعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت لمدة 6 سنوات. تخرج على يده العديد من المؤلفين المعاصرين نذكر منهم رشيد البغيلي، سليمان الديكان. ومن خلال التأليف وتعليم التأليف، قام بتخطي الطريقة التلقينية، إذ يملأ التلميذ المعزوفة الموسيقية بالتوزيع الهارموني الملائم أو العكس. يشير ابن صليما لـ "الأخبار" إلى أنه يتوجه إلى شخصية الطالب وتفاعلها الحي مع عصره لينطق بموسيقاه الخاصة التي لطالما تكسر الكثير من البديهيات الجمالية المعتادة، فتأخذ طريقاً شاقة للوصول إلى أذن المستمع العربي لكنها تسجل ما هو جديد وحي في مكانٍ مستدام. ويضيف: "نسعى إلى تأليف موسيقي يحاكي بنضجه مفردات محمود درويش الكلامية، ونصوصه الشعرية، من حيث الرؤية إلى الأمام...". يشير مفصلاً إلى أنّ التأليف الموسيقي ليس تأليفاً غربياً بل هو تأليف مطلق، فهناك في أعمال تلاميذه وتلاميذ تلاميذه الكثير من ملامح الموسيقى العربية برؤية معاصرة (لا غربية). وبالحديث عن "المطر"، وهي قراءة موسيقية "من ثلاثة أجزاء" لقصيدة بدر شاكر السياب «أنشودة المطر»، يشدد على أنه لا يقترحها كأغنية بل كرؤية موسيقية كاملة ومجردة ولا تنتظر أي رد فعل، بل هي تبوح بحقيقة امتصها المؤلف من واقع محيطه.
كتب عبدالله المصري العديد من الأعمال الموسيقية منها "عمل سيمفوني بمشاركة العود"، الذي أداه شربل روحانا، "كونشيرتو للبيانو"، وهو عمل تحدٍ في القرن العشرين، حيث ضيق الإحتمالات التي بقيت لتأليف عمل حواري بين البيانو والأوركسترا، كما ألف "كونشيرتو تشيلو"، الذي يحاكي الموسيقى الجنائزية Requiem لكن بعمل أوركسترالي. ويشير المؤلف إلى ما يضمره هذا العمل من شجنٍ لا يقال كلامياً، بل من صلاةٍ واعتذار لبلدته "صليما" ورفاقه الذين فارقوه خلال الحرب.
ويعتبر المصري أن الرحابنة قد وصلوا إلى نضجٍ سابق لعصرهم من خلال شعرهم الذي تميز بالبساطة وروح الطليعية. وعن توزيعه الجديد لبعض أغاني الأخوين الرحبانين فاعتبره كتحية وفاء للأخوين وفيروز، "وليس كعرض عضلات أو مزايدات على جمالية أعمالهم". وسيكون صوت أميمة الذي يعشقه بعد صوت فيروز، المؤدي الصولو الوحيد إلى جانب كورال ضخم يرافق الأوركسترا اللبنانية التي يعدها المصري من أهم الفرق الشرقية في العالم العربي. أما عن أسلوب التوزيع، فقد حرص أن يفصل بين شخصيته المعاصرة في التأليف وسلاسة الموسيقى التي تناولها بمقاربة "رحبانية" تبقي المستمع في جو عاصي ومنصور وفيروز...



الأوركيسترا الوطنية تغني الأخوين الرحباني بقيادة عبدلله المصري وغناء أميمة الخليل: 20:00 مساء اليوم ــ مسرح بيار أبو خاطر (حرم العلوم الإنسانية ـ جامعة القديس يوسف)