في تقصّيها الحضور النسائي على الخشبة العربية، تعيد وطفاء حمادي قراءة مجموعة من التجارب الأدبيّة والإخراجيّة، الأساسيّة في المسار المسرحي العربي، من لطيفة الزيّات وفتحية العسّال إلى حياة الريّس ونائلة الأطرش، ومن نضال الأشقر إلى لينا الصانع...
نوال العلي
تستجيب وطفاء حمادي للمهمة التي ألقتها الباحثة أنيت غولدوني على عاتق نقّاد الأدب النسوي، ألا وهي الحاجة إلى إعادة قراءة الأعمال التي كُتبت بقلم المرأة من قبل. من هنا، تبدأ حمادي مشروعاً نقدياً في كتابها «سقوط المحرّمات» (دار الساقي) تميّز بكونه قراءة نسوية لحضور المرأة على المسرح العربي، من النوع الذي تفتقر إليه المكتبة العربية. فيما الجدل لا يزال دائراً بشأن الاتفاق على مفهوم الكتابة أو الأدب النسوي، تركب حمادي البحر الهائج لتقودنا إلى التفكير في المسرح النسوي، ومسرح المرأة والمسرح الذي تصنعه المرأة، وذلك المقدم عن المرأة. وربما كان عنوان الكتاب يفصح عن فلسفته ومنهجه، وتستهله الكاتبة باعتراف امرأة لبنانية في القرن التاسع عشر طالبة المغفرة من الأب لأنها ارتكبت خطيئة حضور «المرسح». وإن كانت أستاذة النقد المسرحي تزعم بأنّ نتاج المرأة المسرحيّ الذي هُمّش طويلاً، ما كان ليظهر لولا النقد النسوي والتفكيكية وحفريات المعرفة، نتساءل إن كان حضور المرأة كاتبة ومخرجة في المسرح العربي قد تخلّص من هامشيته أو تهميشه فعلاً؟ أو إلى أي حد؟ وما كان دور النسوية العربية في ذلك؟
إلا أنّ اتّباع المنهج النسوي والدراسات الجندرية في قراءة النصوص، الذي تستخدمه حمادي هنا، يلقي الضوء على جانب متعلق بخصوصية هوية المرأة على المسرح، الجانب الذي لا يحتفي به النقد الفني والأدبي على نحو خاص.
وعبر نماذج مختلفة لبعض المسرحيات العربية، تسعى الباحثة إلى قلب ثوب المسرح النسوي لنرى شغله السيكولوجي الداخلي، مستعرضةً تجارب آمنة الربيع (عُمان)، لطيفة الزيّات وفتحية العسّال (مصر) حياة الريّس (تونس) نضال الأشقر، سهام ناصر، لينا أبيض، لينا الصانع، جنى الحسن (لبنان) ونائلة الأطرش (سوريا).
تقدم حمّادي قراءات مختلفة عن التأليف الدرامي، بناءً على نصوص تأخذها بالتحليل لتبني نقداً يعتمد المفاهيم النسوية والتفكيكية والخطاب بالمعنى الذي طرحه فوكو. هكذا، نرى أنّها في تناولها مسرحية «سجن النساء» للعسّال تفكّك المسرحية معتمدة الخطاب الفكري لحدوتة المسرحية، من دون أن تغفل بعدها الفني والجمالي. كسر المألوف في بنى النصوص المسرحية التي تكتبها النساء رأي ذهبت حمادي في مناقشته من خلال تقديم أعمال الكاتبة العمانية آمنة الربيع، التي كان لها نصيب الأسد من اهتمام الباحثة. إذ تناولت أعمالها الدرامية مثل «البئر» و«الذين على يمين الملك» و«الجسر» بالتحليل، مستخدمة هذه النصوص للتدليل على تجليات الخطاب الدرامي النسوي في نصوص الأعمال المسرحية.
تصف حمادي بنية نص الربيع بأنه يكسر القوالب الكلاسيكية، بحيث لم تعد للحبكة هذه المركزية، ولم تعد منطلقاً للأحداث ومستقراً لها. وتذهب حمادي إلى أن المرأة ـــــ نتيجة مسار حياتها القائم على التعدد والتقاطع ــــ تكسر القوالب التقليدية، إذ إن لحياة الرجل مساراً أحادياً منتظماً على خلاف المرأة، ولا ندري كيف يكون مسار المستلب قائماً على التعدد والتقاطع، الشرطين اللذين يلزمهما حرية وافرة للتحقق. نفهم أن حمادي انطلقت في تحليلها من رؤية الباحثة جيليانا هانا القائلة بأن الرجال يولدون في عالم يسمح لهم بتخطيط حياتهم وتسييرها في خط واضح ومنتظم، بمعنى أنّ الرجل أميل إلى الكلاسيكية من المرأة. وفي الواقع أنه لم يحدث أن كانت المرأة هي البادئة في كسر الكلاسيكيات، لقد مرت المرأة المبدعة، وخصوصاً المسرحيّة، عبر بوابة فتحها الرجل من قبل.
أما في ما يتعلق بالإخراج المسرحي والسينمائي، فتعيد الكاتبة طرح إشكالية الفرق بين المسرح النسوي، والمسرح الذي يطرح قضايا المرأة، متساءلة عن خصوصية رؤية المخرجة المسرحية «التي كثيراً ما يعبّر عنها بالهوية الجنسية». وبعد شروح مطوّلة وتفصيل نقدي لمسرحيات «ثلاث نسوان طوال» لنضال الأشقر، و«ميديا» لسهام ناصر، و«منمنمات تاريخية» لنائلة الأطرش، خلصت المؤلفة إلى أنّ المخرجات حرّرن النصوص من قراءة واحدة، معتمدات على الجسد كحامل لرؤيتهن البصرية والإخراجية، ضمن ما أطلقت عليه «صناعة مسرح الحواس»... وما اهتمامهن بالجسد إلّا دلالة على الرغبة في إظهار المرأة «بكل كيانها وأحاسيسها، إضافةً إلى ما يقمن به من البحث عن الوعي والوصول إلى الإحساس بالهوية الجماعية والفردية».
وتعرض حمادي في فصل «المرأة كما يراها الرجل» لنص «عرس النار» للروائي طالب الرفاعي، بوصفه نصاً تمت صياغته ليخدم بعداً فكرياً يسعى إلى تحرير المرأة ومساعدتها على خرق التابوهات. كما قدمت قراءة لافتة لصورة المرأة في الحب كما قدمها المسرح الإغريقي والفرنسي والشكسبيري والعربي بعنوان «من الحب ما قتل».
من الواضح أن حمادي بذلت جهداً مدهشاً في رصد وتتبّع هذه الأعمال على مدى سنوات، مثلما بذلت جهداً لوضع هذه المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والمجلات البحثية ضمن سياق يربطها، فأفلحت حيناً وأخفقت أحياناً. إذ كان بإمكانها تجنّب كثير من التكرار في شرح بعض المواضيع كمفهوم الخطاب مثلاً. أو أن تورد باباً عن المرأة في المسلسل التلفزيوني «الرغيف» فيما الكتاب كله متخصص بالمسرح، أو أن تقوم بعرض كتاب «مدخل إلى قضايا المرأة في سطور وصور» وهي تعرض لمسألة التأليف الدرامي لدى المرأة.