عندما نتحدث عن سيمون شاهين (1955)، نستكشف تجربة موسيقية تربو على ثلاثين عاماً، التزم خلالها الفنان الفلسطيني دوره كعازف ومؤلف موسيقي. منذ صغره، كان على يقين بأن غاية وجوده هي الإبداع. هذا ما أراده وهذا ما حصل عليه. يعتبر شاهين مرجعاً موثوقاً للموسيقى العربية في الولايات المتحدة، حيث قُلّد جائزة التراث الوطني في البيت الأبيض عام 1994، وعُيّن في اللجنة الرئاسية الاستشارية للفنون في «مركز جون فيتزجيرالد كينيدي».
يُقال إنّ الاجتهاد يتفوق على الموهبة حين تقصر الأخيرة، فكيف عندما يلتقي الاثنان في فنان عزف على آلة العود أمام ألفي مشاهد حين كان في ربيعه الثالث، وتابع دراسته في العزف على الكمان الغربي على يد البروفيسور رفاييل برونستين، بعدما بلغ الثامنة عشرة في «جامعة مانهاتن»، ما خوّله تعليم العزف على هذه الآلة بشقيها الغربي والعربي في أهم جامعات الولايات المتحدة. في عام 1996، أسس فرقة “قنطرة” التي تعنى بالتراث العربي، متقاسماً خصائصه مع تقاليد عالمية أخرى ذات طابع يميل إلى الشفهية والارتجال. يشدد شاهين على أهمية العلاقة “العضوية” بين الفنان وأنواع الموسيقى المختلفة التي يتعامل معها، وعلى أهمية أن يكون متعمقاً بإرثه الخاص للتمكن من مقاربة الفنون الموسيقية المختلفة ودمجها. كذلك، أسس “منتدى الموسيقى العربية” في الولايات المتحدة عام 1997، حيث يلتقي كل عام أساتذة وموسيقيون وتلامذة وأكاديميون وهواة، يبحثون ويجرون تجارب في الموسيقى العربية.
يحوي البرنامج كثافة في الموسيقى الآلية

تفوق ابن ترشيحا (الجليل المحتل) على نفسه حين بات يُدرّس ويقيم تجارب موسيقية مع تلاميذه في «جامعة بيركلي»، مستخدماً آلات التشيلو والمندولين والكمان، مستعرضاً كما يشير لـ «الأخبار» وجهي هذه الآلات: الأداء الطونالي (الكلاسيكي الغربي) والأداء الميكروطونالي الذي تستخدمه شعوب كثيرة في موسيقاها كالموسيقى اليابانية، والصينية والإيرلنديية والاسكندينافية، والأفريقية، إلى جانب الموسيقى الشرق اوسطية (حيث الجنس الزلزلي)، فتراوح الأبعاد الموسيقية بين ما هو أصغر من الطنين، وأكبر من نصف الطنين (هذا ما لا يملكه البيانو حيث يقسم الديوان إلى اثني عشر نصف- طنين متساوياً).
أصدر شيخ الموسيقى في بلاد العم سام أربع أسطوانات من الفن الارتجالي، تخللتها «سلطنة» (1996) التي قدمها مع عازف السيتار الهندي فيشوا موهان بهات، حيث المزيج بين الستار والعود والكمان. هذا العمل من التجارب التي احترمت تقاليد الفن الشفهي، لما في طبيعة هذين التراثين (الهندي والعربي) من مواءمة تجيز الانصهار. خاض شاهين أيضاً تجارب ناجحة في الموسيقى التصويرية مع «مالكوم أكس» (1992 ـ سبايك لي) و«السماء الواقية» (1990 ـ برناردو بيرتولوتشي). عندما يفتش عن مفهوم الجمال في اللحن، يشير إلى أنّه حالة غرامية بين صوتٍ وآخر، “ولا يجب الخوف من التغيير، فالتراث متحرك، وعندما يتوقف، يموت كلياً”. إلى جانب ارتباطاته التعليمية، يدير شاهين فرقتي “قنطرة” و«مجموعة موسيقى الشرق الأدنى».
أمسيته الليلة وغداً في «مسرح المدينة» تحمل عنوان “زفير”. لهذا العنوان معنيان كما يحدثنا شاهين: معنى عربي، والآخر إغريقي يعني الريح التي “تتأرجح بين الشرق والغرب”. نشأت الفكرة من مشروع “الموسيقى العربية من بغداد إلى الأندلس ـ تراث”. هنا، راح شاهين يفتش عن القواسم المشتركة للتقاليد الموسيقية في هذه الرقعة الجغرافية، فالتقى بخوان الغجري قلباً وقالباً وفناً. ينتمي خوان إلى عائلة تمارس الموسيقى الغجرية بوفاء وبراعة. وجد شاهين أنّ ما يجمع هذا التراث الممتد من الشرق العربي حتى الأندلس وشمال أفريقيا، هو السلم الميكروطونالي الذي يمارسه العرب في مقاماتهم الشرقية عزفاً وغناءً، والغجر في غنائهم (قبل أن يدخل الغيتار ليعجز عن أدائه بسبب محدودية أبعاده). قالب “المألوف” أو”الآلة” ــ كما يشدد شاهين ــ هو أكبر دليل حي في المغرب العربي، يشير إلى ما كان يُمارس في الأندلس. لن نسمع في أمسية “زفير” الممتدة على مدى ساعة ونصف الساعة غناءً عربيَّ الكلام. بل إنّ خوان بيريز رودريغيز سيطربنا بمقامات تشبه بعض المقامات العربية كالـ “هزام” يمارسها غجر اسبانيا من دون تسميتها أو توثيقها. وسيحوي البرنامج كثافة في الموسيقى الآلية. وإلى جانب سيمون شاهين على العود والكمان، يشارك في العزف اللبناني بسام سابا على الناي والفلوت، وآنجيلا هونانيان على التشيلو، وجيلبير منصور على الإيقاع، ترافقهم راقصة الفلامنكو اوسي فيرناندز، وسنرى خوان أيضاً كعازف غيتار وبيانو.



«زفير» لسيمون شاهين: 20:30 مساء اليوم وغداً ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/753010