بيسان طيكيف تكون الحياة عندما نحياها في بيت ـــــ أو علبة ـــــ لا تتعدّى مساحته متراً مكعباً؟ السؤال وحده يثير الخوف، والإجابة تبعث على الاختناق، وإذا بالصور المعلَّبة تتوالى في المخيّلة... قد نفكر في كل شيء، ما عدا أمرين: الكوميديا، وحياتنا نفسها. على مسرح «دوار الشمس»، قُدّم أخيراً «متر مكعّب»، العرض الأدائي الذي جال عواصم عدة قبل أن يحطّ في مستديرة الطيونة. الخشبة تُختصر بالمكعب الصغير الذي يتوسطها. إنها ساحة العرض. الفكرة ولدت أصلاً حين كان فرناندو سانشيز كابيزودا نفسه يبحث عن شقة. يعتمد العرض على الأداء الذي يجمع بين الإيماء والحركة، إضافة إلى وسائط عرض أخرى كالبث الديجيتال وعروض فيديو والموسيقى.
للوهلة الأولى، يبدو العرض كوميدياً، لكنه في حقيقة الأمر شديد السواد. إنّه نقد لحياتنا العصرية المعلبة. فالبطل، أو الممثل الوحيد، يحاول أن يتأقلم في هذه المساحة الصغيرة، يفترش فيها أدواته ويومياته. وحين يسقط الليل، نتابع على أحد الجدران، العلبة نفسها غائرة في المجموعة الشمسية... لكن الدنيا ظلام.
العلبة تمثّل ساحة ليوميات ساكنها. تضيق به، تكاد تخنقه، لكنها في الوقت عينه تتسع لنشاطاته وحفلاته، وإن شاء لضيوفه الذين يأتي بهم من خلال وكالة حفلات، ونقصد بالاتساع هنا معنى الحشر.
يتنقل الممثل بعلبته ـــــ عرضه بين نشاطاته: المتر المكعب هذا مكان لإنسان وحيد تأقلم مع وحدته. هو مكان لحياة باتت معلبة وفق قواعد محددة. إنها تشبه علب التلفزيون أو الكمبيوتر أو بالأصح علب الآلات التي نستهلكها... العرض المضحك نقد لاذع لقوانين التملك وقطاع العقارات العالمي. العمل الذي فقد في أحيان قليلة خطه الدرامي التسلسلي، بلغ ذروته في تلك الصورة المتحركة حيث يتحول الجدار ـــــ الشاشة إلى مجموعة مربعات صغيرة، وفي كل مربع شخص وحيد.