يمكن للقارئ مطالعة رواية «مصائر... كونشرتو الهولوكوست والنكبة» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) لربعي المدهون (1945) بوصفها جزءاً ثانياً من رواية «السيدة من تل أبيب»، إذ يمتد الوجع الفلسطيني ليصبغ دراما الرواية بلونه وطعمه. لكن هذه المرة يلعب المدهون ببراعة في بناء الرواية، ولا يكتفي بأن تكون موضوعة الرواية هي البطل، فالبطولة الحقيقية هنا تنبع من البناء السردي، للموضوع، لمسألة الهوية الفلسطينية، ومصائر الأبطال.
الكونشرتو هو صنف من التأليف الموسيقي، يعتمد على تداخل آلات عدة لتأدية المقطوعة، وقد استهل المدهون روايته بالآتي: «قمت بتوليف النص في قالب الكونشرتو الموسيقي المكوّن من أربع حركات تشغل كل منها حكاية تنهض على بطلين اثنين يتحركان في فضائهما الخاص، قبل أن يتحولا إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة التالية، حين يظهر بطلان رئيسان آخران لحكاية أخرى، وحين نصل إلى الرابعة تبدأ الحكايات الأربع في التكامل». ربما لم يكن المدهون في حاجة إلى هذا التوضيح، إلا أنه فضّل أن يضعه كميثاق بينه وبين القارئ للتعامل مع النص. اشتغل المدهون على التوصيف البصري المشهدي، تضاف إلى ذلك أناقة لغة الروائي، وجنوحها الشعري، من دون مجانية، مع لغة حوارية محلية صبغت الشخصيات بفلسطينيتها.
لا مجال للخط الزمني المستقيم في «مصائر». التشظي الزمني نظير موضوعي للشتات الفلسطيني، إلا أن الملفت فعلاً الآلية التي ينساب بها السرد، إذ يتحول بطلا الحركة الأولى إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة الثانية، ليتصدر المشهد بطلان جديدان. المدهون يتناول الشخصية من الداخل ومن الخارج، يضعها تحت المجهر مرة، ويتركها للعين المجردة مرة أخرى. تتضافر هذه التقنية الذكية مع الموضوع الفلسطيني والتساؤلات التي يطرحها المدهون، عن الوطن والتعايش والعدو والحب والهوية والشتات. قائمة الأوجاع الفلسطينية ماثلة بوضوح في ثنايا الحكايات، بين جولي الفلسطينية الأرمنية وجنين دهمان التي تكتب رواية (نص داخل نص)، أو وليد دهمان الذي يزور متحف «يدفشيم» لضحايا الهولوكوست، والمفارقة في كونه مقاماً على أرض «دير ياسين»... مصائر ربعي المدهون شبكة من العلاقات الإنسانية، ولوحة متحركة عن الوجع الفلسطيني.
«مصائر... كونشرتو الهولوكوست والنكبة» ــ المؤسسة العربية للدراسات والنشر