على الحدود الأميركية المكسيكية، تدور حرب من أشرس الحروب في العالم. هي حرب مافيات المخدرات التي تجعل من تدفق المخدرات والأموال بين حدود البلدين، هدفها الأسمى. وفي مناخ "الحرب" بين الكارتيلات، كما يطلق على المافيا في أميركا الجنوبية، خلق نوع جديد من القتلة يلقبون بـ"سيكاريو". شهادات فظيعة تتناقلها وسائل الإعلام والأفلام التسجيلية عن هؤلاء القتلة المحترفين كما هي الحال مع "إل سيكاريو، الغرفة 164" (2010) الذي يحكي فيه شرطي تحوله، كما المئات من زملائه، إلى قاتل في خدمة الكارتيل المحلي على الحدود.
ويبدو أن أغلب القتلة "السيكاريو" تلقوا تدريبهم في أكاديميات الشرطة ويعملون في أجهزة الأمن المكسيكية لكنهم يخدمون مصالح العصابات التي تكون "اشترت" أرواحهم منذ مراهقتهم.

لا تختلف الرواية الواقعية عما يدور في أحداث فيلم "سيكاريو"، الذي عرض في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان كان السينمائي» (2015) من فساد للشرطة المحلية واختطافات وإعدامات واستعمال غير محدود للأسلحة في مواجهات العصابات. إنه قانون الغاب الذي يحكم الحدود بين البلدين.

ينوع الفيلم على الواقع ويجعل من أليخاندرو (بينيسيو ديل تورو)، المدعي العام المكسيكي السابق، خبيراً يعمل في خدمة المخابرات المركزية الأميركية التي قررت الانتقال إلى أسلوب أكثر حزماً في مواجهة كارتيل ينشط على أراضيها. إلا أن دافعه الأساسي هو الانتقام لمقتل زوجته وابنته على يد الكارتيل. تتحول عملية الأمن الأميركي هكذا إلى أسلوب يعتمد الاستفزاز وتجاوز صلاحياته القانونية، من خلال إفساد عمليات الكارتيل حتى داخل الأراضي المكسيكية، لإرباك التنظيم واكتشاف مخبأ زعيمه.

خلف الحبكة "التقليدية"، يتحول الفيلم إلى مستوى أعقد في الخطاب تحيل عليه عبارة زعيم الكارتيل في أحد أكثر مشاهد الفيلم اقتصاداً في الحوارات على الرغم من عنفها و"لا إنسانيتها". يقول: "ألا تدرك أنهم هم من علمونا هذا؟"، لا يضيف كلمة، لكن سياق المشهد يحيل بالضرورة إلى الجانب الشمالي من الحدود، إلى اليانكي "المتحضرين" الذين يرغبون في القضاء على الإجرام، لكن إدارتهم فرضت ولا تزال قواعد العنف كما توحي نهاية الفيلم.

ولهذا الغرض، ينطلق السرد من شخصية كيت، ضابطة الـ «إف بي آي» العاملة في وحدة للبحث عن المختطفين التي تحارب من أجل "الخير". الشخصية التي تؤديها إميلي بلانت، سريعاً ما تقع في قبضة مسؤول أجهزة الاستخبارات مات (جوش برولان) الذي يخيرها بين ضرب الأفعى في جحرها أو الانتظار، والقيام بعمليات محدودة وغير ذات جدوى. تقبل إذاً الذهاب في مهمة، تعتقد أن صلبها الدفاع عن الأبرياء، قبل أن تجد نفسها بين فكي، أساليب حصلت على إذن ودعم مسؤولين على أعلى هرم في السلطة. كما نكتشف في نهاية الفيلم الدوافع الحقيقية لهذه العملية. تتحول شخصية الضابطة إلى مجرد شاهد على هذا العنف والفوضى، حيث يصير القانون والأفراد مجرد معادلة ثانوية في السياسات. جَسَدُهَا الذي يبدو في المشهد الافتتاحي للفيلم، متمرناً على المواجهات المسلحة، وقادراً على مواجهة القتلة، يتحول تدريجاً إلى نوع من الوهن أمام العنف في أقصى/ أقسى درجاته. مع الأجساد المشنوقة والعارية على الجسور في مدينة خواريز سويداد المحاذية للحدود مع أميركا، تصير عيناها فارغتين، وتعبران عن عدم الفهم.
في مقابل كيت، نجد شخصية مدير العملية مات المنشرح، الذي لا يكترث كثيراً بما يقع. كأنه يدرك أن المعركة محسومة لصالحه منذ البداية. وعلى النقيض، يؤدي بينيسيو ديل تورو دوراً، يتحول فيه من شخصية هشة إلى الصلابة. دفق "الفحولة" خيط ناظم للشخصيات الذكورية في الفيلم الذي راهن على العنف، والقسوة، مما يجعل شخصيات هوليوودية تقليدية في مقابل المرأة التي يرى المشاهد الفيلم من خلال عينيها. هذا المنحى التقليدي، ينتقل أحياناً إلى الصور، التي تعتمد مشاهد جوية، لإظهار الحدود والمدن، و"المجالات الفارغة" على مداها. إنها الصورة السينمائية في استعارتها للخرائطية وحياديتها في رسم المجالات، دون الدخول في تفصيلات.

المخرج الكندي دوني فيلنوف في واحد من حواراته التي واكبت عرض الفيلم في "كان" تحدث عن اهتمامه بالسينما السياسية ورغبته في تصوير الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. صاحب "حرائق" (2010) يقع في هذا الصف من المخرجين، الذين يشتغلون على الحدود السيكولوجية بين الخير والشر. يحاول ملء فراغات الحدود بالقصة الأثيرة على السينما الهوليوودية: المواجهات مع عصابات المخدرات التي تنشط في أميركا. يتحول الفضاء الذي هو "الصحراء" إلى المسرح الأمثل لليأس. يأس الأفراد، في مواجهتهم لقوى تسحقهم كما هي الحال مع عدة أفلام في السينما المعاصرة جعلت من الفضاء الطبيعي، آلية من آليات تصوير العنف والقسوة. هكذا تصير العمليات على الحدود آلية بصرية لعكس هذه الصورة القاطنة في الأذهان، عن الطبيعة المناقضة للمدينة كفضاء للقانون. شريعة الغاب التي تعيد الآدميين إلى "توحشهم" ظهرت في سينما الأخوين كوين وقبلهما في الكثير من الأفلام الأميركية انطلاقاً من أفلام الويسترن، إلى أخرى أكثر حداثة وتتميز مجرياتها أو جزء منها بأنها تحدث في الطبيعة أو في مدن هامشية ومعزولة. وهي لربما العزلة التي راهن عليها المخرج ليحكي كيف ينغمر الرجال و"الأساطير المحلية" في مستنقع العنف اليومي للمدن الواقعة على الثخوم.



* «سيكاريو»: «أمبير» (1269)