ضمن برنامج «غير لائق سياسيّاً»، يستضيف ميشال ألفتريادس في بيروت الكوميدي الأسمر الذي بات ملعوناً في فرنسا، بسبب «انزلاقاته الانتحاريّة». محطته التالية ستكون دمشق
باريس ــــ عبد الإله الصالحي
إنه أحد أكثر الفنّانين الساخرين موهبةً في فرنسا، لكنه أكثرهم إثارة للجدل أيضاً. رغم أدائه المتميّز، فإن عروضه شبه ممنوعة في فرنسا بسبب تهمة «معاداة السامية». قضيته الأولى مكافحة العنصرية ضد السود والعرب في فرنسا والدفاع عن فلسطين والمقاومة، غير أن الحصار حوّله إلى نمر شرس يراكم الهفوات، ما أحرج حتى الأوفياء من أنصاره.
في التسعينيات، اكتشف الفرنسيّون ثنائياً ساخراً مثّله ديودونيه مبالا مبالا (1966) وإيلي سيمون. الأول، أسود البشرة، كبير القامة، خلاسي من أم فرنسية وأب كاميروني. والثاني يهودي نحيف وصغير القامة. كلاهما ينحدر من ضواحي باريس، حيث يتكدس أبناء المهاجرين في الأحياء الفقيرة. صفق كثيرون لهذا الثنائي الذي فرض نفسه على ساحة الفكاهة، وحوّل معاناة أبناء الضواحي من التهميش والعنصرية، مادةً كوميدية تمزج بين خفة الأداء والدعابة السوداء.
توالت اسكيتشات الثنائي حتى 1997، حين فسخا تعاونهما. وإذا كان إيلي سيمون قد واصل أعماله الكوميدية على نحو عادي، فإن ديودونّيه نجح في بناء سمعة مثيرة للجدل. واحتلّت أخباره الصدارة لا بسبب أعماله، بل لمواقفه السياسية ومبادراته الاستفزازية التي أدخلته ردهات المحاكم.
تحولت السياسة إلى مادة أساسية في اسكيتشات ديودونّيه التي اكتسبت صبغة نضالية مباشرة. بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، هاجم Dieudonné جورج بوش ووصفه بالإرهابي الأول، معتبراً أنّ 11 سبتمبر بدعة من الأميركان. هكذا أخذ على عاتقه انتقاد الإمبريالية الأميركية وحروبها في العراق وأفغانستان، وفضح السياسة الاستعمارية الفرنسية في أفريقيا السوداء، والجرائم الصهيونية بحقّ الشعب الفلسطيني. وفي هذا الإطار، زار بيروت إبان عدوان تموز 2006 للإعراب عن دعمه للمقاومة ورفضه «مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يندرج العدوان الإسرائيلي في إطاره».
صدر حكم قضائي بسجنه بعدما وصفَ المحرقة بـ«البورنوغرافيا التاريخية»
لكن إصرار الفنان على التنديد بجرائم إسرائيل وتسلّط اللوبي اليهودي في فرنسا، جعلاه هدفاً لحملة منظمة ومجحفة من الجمعيات اليهودية الفرنسية ووسائل الإعلام. ورغم أنه أصرّ على التمييز بين اليهودية كدين والصهيونية كعقيدة، فنقاش مماثل في فرنسا شبه مستحيل لكثرة فخاخه. ولعل هذا هو المفتاح لفهم «انزلاقاته الانتحارية» اللاحقة.
ديودونيه الذي يزور بيروت الاثنين ليقدّم مقتطفات من أعماله بعنوان Best Of II في«ميوزكهول»، قبل أن ينتقل بعرضه إلى دمشق، فجّر عام 2003 فضيحةً حين أدى اسكيتشاً قصيراً في برنامج المقدم الشهير مارك أوليفييه فوجيال «لا يمكننا أن نعجب الجميع». إذ ظهر على البلاتوه مرتدياً لباساً عسكرياً، ومعتمراً قبعة حاخام يهودي متطرف. كان هدف ديودونيه الاستهزاء من شخصية اليهودي الأرثوذكسي المتطرف، مثلما فعل مع شخصية الإسلامي الأصولي التي أداها مراراً ولم تخلق أدنى ضجة. لكن شتان بين الشخصيتين في السياق الفرنسي!
مباشرة بعد الحادث، تعرض ديودونيه لحملة شرسة، اتهمته بمعاداة السامية، وأدت إلى منع شبه كلي لعروضه. ولم يبق له سوى الخشبة الضيقة لمسرح «اليد الذهبيّة» الصغير La Main d'or الذي يمتلكه في الدائرة 11 من باريس. وهنا بدأ الانزلاق... كلّما اشتد الحصار عليه، راحت ردود فعله على مهاجميه تزداد ضراوة. هكذا، «نكاية باللوبي اليهودي»، استضافَ في أحد عروضه الفرنسي جان ماري لوبان، رئيس «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرّف. وأعلن أن المحرقة اليهودية كذبة تاريخية. كانت تلك النقطة التي أفاضت الكأس، فحتّى أصدقاؤه من مناصري القضية الفلسطينية وأبناء المهاجرين شعروا بالحرج. ذلك أنّ الدفاع عن ديودونّيه صار يقتضي الدفاع أيضاً عن ألد أعدائهم من رموز اليمين العنصري.
مضى ديودونيه بعيداً في استفزازاته حين استضاف عام 2006 خلال أحد عروضه، روبير فوريسّون، المؤرخ التحريفي الذي ينكر وجود المحرقة. وأهداه جائزة قدمها رجل متنكر باللباس المخطط الذي كان يرتديه المعتقلون في معسكرات الموت النازية. قامت القيامة مجدداً ضد الكوميدي، وصدر حكم بسجنه مع غرامة 10 آلاف يورو، بعد وصفه المحرقة بـ«البورنوغرافيا التاريخية». في المقابل، اشتد الخناق على عروضه، وطاوله المنع حتى في المغرب حيث اعتذرت السلطات مراراً عن عدم السماح له بالوقوف على الخشبة في الدار البيضاء.
أما في بيروت ودمشق، فسيصفّق الجمهور لضيف ميشال ألفتريادس «غير اللائق سياسيّاً»، فعلّهم يقنعونه بالعودة إلى صوابه!

بيروت: الاثنين 22/2، س 9:00 ــــ «ميوزكهول» 03/807555 أو 01/371236
دمشق: الأربعاء 24/2، س 8:30 ــــ «دار الأسد للثقافة والفنون» ــــ 00963112456144



«فولتير» ورئاسة فرنسا

بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، انضم ديودونيه إلى «شبكة فولتير» التي يتزعمها تيري ميسان، حاملةً راية التشكيك في صحة الرواية الأميركية لاعتداءات 11 سبتمبر. وفي 2002، قام الممثل الفرنسي بخبطة إعلامية ناجحة، على منوال الراحل كولوش، حين أعلن ترشّحه للانتخابات الرئاسية واقترح برنامجاً يتضمّن إصلاح القضاء ورفع موازنة التعليم... واقترح تعيين الكوميدي جمال دبوز رئيساً للوزراء وجيرار دوبارديو وزيراً للثقافة! وأخيراً خاض ديودونيه الانتخابات الأوروبية في ضاحية باريس بعد تأسيسه لائحة «ضد الطائفية وضد الصهيونية» وأحرز ثلاثة ونصف في المئة من الأصوات، وكانت مناسبة إضافية ليطلق سهامه ضدّ «الجمعيات اليهودية» والطبقة السياسية بيمينها ويسارها. لكن عدداً من المنظمات العربية أخذ مسافة واضحة منه، وبينها «جمعيّة التضامن الفرنسي ـــــ الفلسطيني» (AFPS).